للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنه لما بدا للناس ... أير حمار لُفّ في قرطاس

فلما سمع بذلك الحيقطان وكان باليمامة، دخل إلى منزله فقال شعرًا افتخر فيه بالنجاشي وبالسودان، وبلقمان وبأبرهة وذم قريشًا ومضر، وتحامل عليهما، ففرحت اليمانية به، وأخذت تحتج به على العدنانية، واحتج بها العجم والحبش على العرب١.

ويلاحظ أن الحبش قد تعصبوا أيضًا على العرب في الإسلام، وتفاخروا بملوكهم وبأبرهة، وقد كان لازدراء الأغنياء لهم، وتسخير أصحاب المال لهم في أداء الأعمال الحقيرة، ونظرتهم إليهم نظرة ازدراء وتحقير، فلم يصاهروهم، ولم يروا أنهم أكْفَاء لهم، مثل العجم على الأقل، أثر في إثارة هذه الضغينة في نفوسهم وفي وقوفهم موقف الضد من العرب. وقد تعرض الجاحظ لذلك، فقال: "وقد قالت الزنج: من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم أكْفَاء في الجاهلية في نسائكم، فلما جاء عدل الإسلام رأيتم ذلك فاسدًا". ثم روى على لسانهم ما قاله بعض الشعراء مثل النمر بن تولب، ولبيد من مدح أبرهة، ثم أعقب ذلك بذكر من برز وظهر من الزنوج٢.

ومن أسباب النَّحْل دوافع نشأت عن عاطفة دينية، رأت أن في نحل الشعر على ألسنة الجاهليين، عملًا ليس فيه ضرر ولا إساءة، بل فيه منفعة من ناحية التوعية الدينية والحث على التدين والتزهد، وعمل الخير والإيمان بدين الله، فروت الأشعار على ألسنة المتقدمين في التبشير بظهور الرسول، قبل ميلاده بأمد، وفي الحث على نبذ الوثنية والإيمان بإله واحد. نظم على لسان القحطانيين وعلى لسان العدنانيين، الذين عاشوا قبل الإسلام، كما نظم على ألسنة الجن والهواتف والكهنة.

ومن هذا القبيل ما قيل من شعر في التوحيد وفي الذّبِّ عن الإسلام على لسان أبي طالب وغيره، وفي مدح قريش، وجعلها القبيلة المختارة التي اصطفاها الله من بين سائر العرب ففضلها على العالمين، بأن جعلها الصفوة، وجعل لسانها اللسان الذي نزل به القرآن، فعل أصحاب الصنعة ذلك لنوازع مذهبية، ولعصبية


١ رسائل الجاحظ "١/ ١٨٢ وما بعدها"، "فخر السودان على البيضان".
٢ رسائل الجاحظ "١/ ١٩٧ وما بعدها"، "فخر السودان على البيضان".

<<  <  ج: ص:  >  >>