للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاهليين، تجد الكثير منه مدونًا في الكتب التي تتعاطف مع اليمانية، مثل كتب الهمداني، ونشوان بن سعيد الحميري.

ولما كان هذا الشعر هو ذكريات أيام اليمن الماضية وأحوالها القديمة، وفي أخبار ملوك حمير وأعمالهم، اتخذ أسلوب القص والفخر، فكثرت أبيات القصائد أحيانًا، وارتبطت الأبيات في المعاني بعضها ببعض، نظرًا لاقتضاء طبيعة القص والأساطير ذلك، وهو يفيدنا من ناحية الوقوف على الأساطير اليمانية القديمة التي أوجدتها مخيلتهم عن تأريخهم القديم، وفي تطور أسلوب القص في الشعر.

ويظهر من عبارة الآمدي: "وهي أبيات تروى لامرئ القيس بن حجر الكندي، وذلك باطل، إنما هن لامرئ القيس الحميري، وهي ثابتة في أشعار حمير"١، أنه قد كان لحمير ديوان فيه أشعارهم، أو أن قومًا منهم أو من غيرهم جمعوا شعر حمير، وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من أن يكون هذا الجمع قد وقع في الإسلام، وأن ما فيه من شعر جاهلي، هو من الشعر والمصنوع.

ومن العصبيات عصبية قريش على ثقيف. فقد كانت بين قريش وبين ثقيف خصومة، بسبب طمع أهل مكة في الطائف، وشراء سادات قريش الملك في الطائف لاستغلاله، مما جعل ثقيفًا يكرهون أهل مكة. ثم عامل آخر، ظهر في الإسلام، وهو كره أهل العراق للحجاج، مما جعلهم يذمونه ويذمون ثقيفًا معه. فزعموا أن قومه من بقايا ثمود، وذلك في أيام الحجاج. "رووا أن الحجاج قال على المنبر يومًا: تزعمون أنَّا من بقايا ثمود، وقد قال الله عز وجل: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} ٢. وذكر "الجاحظ"، زعم الناس هذا في أصل ثقيف، وذكر أن مثل ثمود كمثل بني الناصور، فقد هلكوا في الجاهلية، كما هلك غيرهم من الأمم البائدة، وذكر أن هناك من قال إن أصل "بني الناصور" من الروم٣.

وقد وجدت العصبية مرتعًا خصبًا بين الموالي والعبيد، فساهموا فيها أيضًا، فلما رأى جرير "الحَيُقطان" يوم عيد في قميص أبيض وهو أسود، قال:


١ المؤتلف والمختلف "٩"، "عبد الستار أحمد فراج".
٢ البَيَانُ والتَّبْيينُ "١/ ١٨٧ وما بعدها".
٣ البَيَانُ والتَّبْييُن "١/ ١٨٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>