للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلية سياسية، ذات صلة بالعواطف الدينية، فلم يكن ليهون على أهل يثرب مثلا التسليم بسيادة قريش عليهم، فكان ما كان من وضع قريش الحجج التي تؤيد قريشًا في الجاهلية، وتجعلهم أفضل العرب على الإطلاق، وما كان الأنصار ليقبلوا ذلك بالطبع، فأوجد صناعهم فخرًا وسبقًا لهم على قريش، بأن قالوا إنهم الأنصار وأنهم نصروا رسول الله منذ سمعوا بالإسلام، فلما سمع أبو قيس بن الأسلت وهو من الأوس، مقالة أبي طالب:

ولما رأيت القوم لا ودَّ فيهم ... وقد قطعوا كل العُرى والوسائل

حين أرادوا منه تسليمهم النبي، وأرسل إليهم قصيدة ينهى فيها قريشًا عن الحرب، ويأمرهم بالكفِّ عن رسول الله، إذ يقول:

يا راكبًا إما عرضت فبلغن ... مغلغلة عني لؤي بن غالب

وهي قصيدة طويلة دوَّنها ابن هشام في سيرته١، إذا قرأتها خرجت منها أن صاحبها إنما أراد من صنعها على لسان ابن الأسلت إظهار أن أهل يثرب كانوا أول من من دافع عن الرسول والإسلام، وأنهم كانوا أول المؤمنين به، إذ كفرت قريش بدين الله. مع أنه مات مشركًا، ولم يثبت أنه دخل في الإسلام٢.

والقصيدة بعد من صنع أناس من الأنصار، لعلهم كانوا من صلبه، وجدوا أن من السهل وضع الشعر على لسانه، فقد كان شاعرًا معروفًا، وكان من سادة يثرب ومن الوافدين على مكة، وله فيها أصحاب ودالة، وفي صنع هذا الشعر فخر للأنصار عظيم، فنسبوا له تلك القصيدة، وجعلوها جوابًا لاستغاثة أبي طالب في قصيدته التي قال ما قال فيها في حق قريش وفي تعنتها تجاه الرسول والإسلام.

ومن هذا القبيل، تطويلهم القصيدة المنسوبة إلى أبي طالب التي قيل إنه قالها في النبي، وهي:


١ سيرة "١/ ١٨٠"، "حاشية على الروض".
٢ الإصابة "٤/ ١٦٠"، "رقم ٩٤٤"، الاستيعاب "٤/ ١٥٩ وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

<<  <  ج: ص:  >  >>