للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعصب للقرشية، ولانقطاعه كان إليهم، ولروايته فضائلهم"١.

وكان معاوية يتعصب لليمن على قيس، وذلك بسبب زواجه من "كلبية"، مع أنه من عدنان. حتى صار من فرط تعصبه لليمن لا يفرض إلا لهم، ولم يزل كذلك حتى كثرت اليمن وعزت قحطان، وضعفت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلًا من اليمن قال: هممت أن لا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاري بالشام، ففرض من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس. وكان معاوية يغزي اليمن في البحر وتميمًا في البر، وفي ذلك يقول النجاشي شاعر اليمن:

ألا أيها الناس الذين تجمعوا ... بعكا أناس أنتم أم أباعر

أيترك قيسًا آمنين بدارِهم ... ونركب ظهرَ البحرِ والبحر زاخرُ

فوالله ما أدري وإني لسائلٌ ... أهمدان تحمي ضيمها أم يحابرُ

أم الشرف الأعلى من أولاد حمير ... بنو مالك أن تستمر المرائر

أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا ... وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا

فرجع القوم جميعًا عن وجههم، فبلغ ذلك معاوية، فسكن منهم. وقال: أنا أغزيكم في البحر لأنه أرفق من الخيل وأقل مئونة، وأنا أعاقبكم في البر والبحر ففعل ذلك٢.

وأوجدت هذه العصبية كثيرًا من الشعر المصنوع، روي على أنه من شعر التبابعة، صنع ولا شك في الإسلام، حين بلغت العصبية العدنانية القحطانية ذروتها في أيام الأمويين فما بعد. فلما نظر اليمانيون إلى أنفسهم، وإذا بالحكم لغيرهم. وقد كانت لهم دولة قبل الإسلام، ثم إذ بهم يحكمهم من كان دونهم في الجاهلية، أخذتهم العزة، ودفعتهم العصبية على الاحتماء بالماضي، وإعادة ذكرياته، وما كان لهم من مآثر، ولأجل توكيد ذلك وتثبيته، لجئوا إلى الشعر، ولم يكن لهم شعر في الجاهلية بهذه العربية التي نعرفها، لأنها لم تكن عربيتهم، فصنعوا شعرًا كثيرًا بهذه العربية، نسبوه إلى التبابعة، وارتفعوا به إلى عهود جاوزت الحد المألوف الذي حدده علماء الشعر، لتأريخ ظهور "القصيد" عند


١ البَيَانُ والتَّبْييُن "١/ ٢٤٣".
٢ الخزانة "١/ ٤٦٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>