للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زهير يثرب معتذرًا عن كفره، معلنًا إسلامه أمام الرسول، مدح قريشًا وعرّض بعض التعريض بالأنصار لغلظتهم كانت عليه، تجهمته الأنصار وغلظت عليه، ولانت له قريش، غير أنها لم ترض عن مدحه، إذ وجدته قليلًا، وأنكرت عليه ما قال، إذ قالت له: "لم تمدحنا إذ هجوتهم، ولم يقبلوا ذلك منه"١. ولما قدم الحُطَيئَة المدينة أرصدت له قريش العطايا، فعلت ذلك ليخلص لها في المدح، وليصرف مدحه عن الأنصار٢.

وندخل في هذه العصبية، العصبية إلى البيوتات، فقد كان قوم سعيد بن العاص بن أمية يذكرون أن سعيدًا كان إذا اعتم لم يعتم قرشي إعظامًا له، وينشدون:

أبو أحيحة من يعتم عمته ... يضرب وإن كان ذا مال وذا عدد

ويذكر الزبيريون أن هذا البيت باطل مصنوع٣.

ولم تتورع العصبية والخصومات من الكذب عمدًا على الناس ومن الطعن في الأنساب، فلما اعترض "مزرد" أخو الشمّاخ، وكان عريضًا، "كعب بن زهير" عزاه إلى "مزينة"، وكان "أبو سُلمى" وأهل بيته في غطفان، فقال كعب بن زهير شعرًا يثبت أنه من مزينة، "وقد كانت العرب تفعل ذلك، لا يعزى الرجل إلى قبيلة غير التي هو منها، إلا قال: أنا من الذين عنيت. كان أبو ضمرة يزيد بن سنان بن أبي حارثة لاحى النابغة فنمّاه إلى قضاعة"، فقال شعرًا يثبت أنه منها٤. وهناك أمثلة عديدة من هذا القبيل، أدت إلى وقوع النسابين في أخطاء بسبب هذه الأكاذيب.

وقد ساهم الخلفاء الأمويون في هذه العصبية، ساهموا حتى في التزام العلماء والشعراء. "جمع سليمان بن عبد الملك بن قتادة الزهري، فغلب قتادة الزهري، فقيل لسليمان في ذلك، فقال: إنه فقيه مليح. فقال "القحذمي": لا، لكنه


١ ابن سلام، طبقات "٢٠ وما بعدها".
٢ ابن سلام، طبقات "٢٤".
٣ المُزْهِرُ "١/ ١٨١".
٤ ابن سلام، طبقات "٢١ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>