للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي قصيدة فيها هجاء لبني نزار ولبني هاجر، صنعت ولا شك في الإسلام، وقد زعم أن النبي نهى عن روايتها. وإذا كانت القصيدة مصنوعة، أو أن أبيات الهجاء منها مصنوعة على الأقل، كان حديث النهي عن روايتها مصنوعًا أيضًا، لأن هذا الصنع إنما وقع في الإسلام.

ومن فرسان العصبية اليمانية الشاعر حسان بن ثابت، فقد كان من المتحاملين على قريش، ومن المتعصبين ليثرب ولليمن على قريش ومعد. مع أن الرسول نهى عن أمر الجاهلية، فكان يجالس قريشًا وهو في إسلامه، وينشد الناس ما قالته الأوس والخزرج في قريش ليشفي بذلك غليله. وكان الخليفة عمر قد نهى أن ينشد الناس شيئًا من شعر الهجاء الذي كان بين الأنصار ومشركي قريش حذر تجديد الضغائن، ومع ذلك فإن عصبية حسان لمدينته ولليمن كانت تدفعه على مخالفة ما أمر به١.

ومن هذا القبيل ما فعلته قريش بشعر حسان. فقد "حمل عليه ما لم يحمل على أحد، لما تعاضهت قريش واستبت، وضعوا عليه أشعارًا كثيرة لا تليق به"٢، وقد وضعت قريش وأشياعها المتعصبون للعدنانية أشعارًا أخرى على ألسنة بقية شعراء يثرب، أرادت من وضعها الحط من شأنهم، وإلحاق السخف والركة بشعرهم وبهم، وفعل غيرهم فعلهم في إضافة الشعر إلى من كانوا يكرهونه، للنيل منه، فنسبوا إليهم شعرًا سخيفًا مشينًا، أو فيه تحامل وقدح على بعض الناس، للإساءة إليهم بظهور هذا الشعر وانتشاره.

وقد ذكر ابن سلام أن قدامة بن عمر بن قدامة الجمحي، نحل شعرًا على أبي سفيان بن الحارث للنيل منه، وأن قريشًا تزيد في أشعارها تريد بذلك الأنصار والرد على حسان٣. وورد أن قتادة بن موسى الجمحي هجا حسان بن ثابت بأبيات ونحلها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب٤.

وكان الأنصار يقظون، واقفون لقريش بالمرصاد، وكانت قريش يقظة كذلك، إذا سمعت شاعرًا مدح الأنصار ولم يمدحها استاءت منه. فلما قدم كعب بن


١ الاستيعاب "١/ ٣٣٧ وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".
٢ ابن سلام، طبقات "٥٢".
٣ ابن سلام، طبقات "٦٢".
٤ الإصابة "٣/ ٢١٧"، "رقم ٧٠٧٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>