للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما كسبت، ويحصد كل امرئ ما زرعه بيديه في دنياه، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ولن يفلت أحد من الموت، وهيهات له ذلك.

ونجد في شعر التبابعة أشعارًا في الحكم وفي الحث على مكارم الأخلاق، وفي حروبهم وفتوحات الإسكندر والفتوحات الإسلامية فيما بعد، فتوحات سبقت الفتوحات الإسلامية بمئات من السنين، حاول صانعوها المبالغة فيها، حتى صيروا الفتح الإسلامي وكأنه ذيل لتلك الفتوح القحطانية التي زرعت "حمير" في الصين وفي تركستان، صنعوا ذلك في الإسلام، لما تبجح عليهم العدنانيون بالإسلام وبلوغه الصين والمحيط الأطلسي.

وذكر أن الشاعر "يزيد بن ربيعة بن مفرغ" الحميري١، كان ممن أذاع أسطورة "تبع"، وكان يتعصب إلى اليمن٢، ولعله هو الذي وضع أكثر الشعر المنسوب إلى التبابعة، وكان عبيد بن شريَّة الجرهمي، ممن صنع الشعر على ألسنة التبابعة وغيرهم، وأضافه إليهم٣. ونجد في كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني وفي الإكليل، وهو من كتبه أيضًا، شعرًا كثيرًا يرويه على أنه من شعر التبابعة، ومن شعر عاد وثمود، وسادات حمير، وهو مصنوع من دون شك، صنعه المتعصبون لليمن من اليمانية، وقد كانت العصبية قد أخذت مأخذها في الإسلام. والهمداني نفسه من المتعصبين لليمن قبله. وأدخله في كتبه دون أن يسائل نفسه عن كيفية وصول ذلك الشعر من أفواه قائليه إليه، مع بعد الزمن وتقادم العهد، وتكلم أهل اليمن في القديم بكلام لا يشابه كلام الشعراء.

ويدخل في هذه العصبية الشعر المنسوب إلى الشعراء في هجاء قحطان أو عدنان أي في هجاء القحطانية أو العدنانية بتعبير أدق، من ذلك القصيدة التي صنعوها على لسان الأفوه الأودي الشاعر الجاهلي، الذي هو من مذحج، ومذحج من اليمن، التي أولها:

إن ترى رأسي فيه نزع ... وشواي خلة فيها دوار٤


١ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ٢٧٦"، الأغاني "١٧/ ٥١"، الخزانة "٢/ ٢١٠، ٥١٤".
٢ الأغاني "١٧/ ٥٢".
٣ von Kremer, Die Sudarabische Sage, S. VII, ٧٨, Nicholson, A Literary History of the Arabs, p. ١٩.
٤ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ١٤٩"، العيني "١/ ٤٢١"، الأغاني "١١/ ٤١"، معاهد التنصيص "٢/ ١٥٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>