في مصر وفي البلاد العربية، لما جاء فيه من آراء خالفت المألوف والمتعارف عليه عند علماء العربية آنذاك الذين كانوا يسيرون على الجادة القديمة في دراسة أدب العرب، ولما تضمنه من عبارات اعتبرت نابية فيها تهجم على المقدسات. فشكي إلى الحكومة، ورفع أمره إلى القضاء، فكان أن غيَّر عنوانه بعض التغيير فصار:"في الأدب الجاهلي"، وحذف منه فصل، وأثبت مكانه فصل، وأضيفت إليه فصول١. وقد لقي الكتاب نقدًا شديدًا في مصر وفي خارجها، من جانب المحافظين الحروفيين، إذ رأوا فيه هدمًا للتراث العربي وللمألوف المتوارث، بينما لقي قبولا حسنًا من جانب الشباب والجيل الجديد، الذين تأثروا بالمؤثرات الثقافية الحديثة وأخذوا يجاهرون بنقد الأوضاع القائمة الجامدة، وسرعان ما دخل هذا النقد ميدان العراك الذين كان قد وقع آنذاك بين المحافظين وبين المصلحين الذين كانوا يدعون إلى إصلاح المجتمع بصورة عامة وإيقاظ العقل من سباته، والذي كانوا ينادون بإصلاح كل ما يخص هذه الحياة من مادة وروح.
ووجود شعر جاهلي منحول، أو وجود شعر منحول، صنع وصيغ على ألسنة الجاهليين بتعبير أصح، قول لا يختلف فيه أحد، لا يختلف فيه علماء العربية عن المستشرقين، ولا القدماء عن المحدثين، ولا المحافظون المتزمتون عن المدعين بالتقدمية والتجديد، فكلهم مجمعون على وجوده، وكل منهم أثبت وجوده بطرقه وبأساليبه التي كانت متبعة في زمانه في طرق النقد، فهم في هذه القضية متفقون تمامًا ولا خلاف بينهم فيه، اللهم إلا في شيء واحد، هو: سعة حجم المصنوع بالنسبة إلى حجم الصحيح من الشعر، فمنهم من يزيد في نسبة حجم المصنوع حتى يغلبه على الصحيح، بل يجعل الصحيح منه شيئًا ضئيلًا، بالنسبة إليه، ومنهم من يقلل هذه النسب إلى درجات قد يصيرها بعضهم دون الشعر الصحيح بكثير.
وأول أسباب نحل الشعر: العصبية التي عبر عنها ابن سلام بقوله: "قال ابن سلام: فلما راجعت العرب رواية الشعر وذكر أيامها ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم وما ذهب من ذكر وقائعهم، وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على ألسن شعرائهم،