للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كانت الرواة بعد، فزادوا في الأشعار"١. من ذلك ما فعلته قريش، الذين كانوا -كما يذكر أهل الأخبار- أقل العرب شعرًا وشعراء، فلما نظروا فإذا حظهم من الشعر قليل في الجاهلية، استكثروا منه في الإسلام٢.

ومن هذا القبيل ما نسب إلى قدماء أهل اليمن من شعر، وما أضافوه من شعراء وشعر، فجعلوا للتبابعة شعرًا فيه تبجح بأعمالهم وبما قاموا به من فتوح هزت الدنيا في يومها امتدت من أقصى طرف من الأرض إلى أقصى طرفها الآخر من الصين إلى روما، وإلى آخر المعمور الممتد على البحر المظلم، وفيه إيمان بالله وبملائكته، وتبشير بظهور الرسول، وأسف شديد لأنهم ولدوا قبل زمانه، فلم يسعدهم الحظ بإدراكه، وهم لو أدركوه لكانوا أول المؤمنين به، وأول المدافعين عنه، وحيث حرموا من هذه النعمة، نعمة ملاقاته لإعلان إيمانهم به أمامه، فهم يدعون من يأتي بعدهم ممن سيدرك أيامه إلى الذب عنه والدخول في دينه. فيقول "الرائش" منهم، وهو الحارث، في شعر له، ذكر فيه من يملك منهم ومن غيرهم:

ويملك بعدهم رجل عظيم ... نبي لا يرخص في الحرام

يسمَّى أحمدًا يا ليت أني ... أعمر بعد مخرجه بعام٣

وإذا عرفت أن هذا "الرائش"، كان قد حكم قبل "بلقيس"، وبلقيس معاصرة سليمان على زعم أهل الأخبار، وقد كان حكم سليمان في حوالي السنة "٩٦٩"، قبل الميلاد٤، أدركت كم سيكون إذن عمر هذا الشعر المنسوب إلى الحارث الرائش، الذي لقب بهذا اللقب، لأنه كان أول من راش الناس، أي أول من غزا من أهل اليمن، وأول من أصاب الغنائم والسبي، وأدخلها اليمن، فراش الناس٥.


١ طبقات "١٤".
٢ ابن سلام، طبقات "٦٢"، الرافعي "١/ ٣٦٧"، في الأدب الجاهلي "١٢٢".
٣ المعارف "٦٢٧".
٤ Hastings, p. ٦٨٦.
٥ المعارف "٦٢٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>