للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأيهم أن ما ورد من نزول القرآن بلسان قريش، إنما هو رأي ظهر في الإسلام، ظهر ببروز النزاع الذي كان بين الأنصار والمهاجرين، أدى إلى التعصب لقريش وإلى تقديمهم على كل العرب بحجة أن الرسول منهم، وأنه ولد بينهم، فيجب أن تكون لغته لغتهم، وأن يكون نزول الوحي بلسانهم، فهو رأي برز عن نوازع دينية وسياسية، مجدت قريشًا، لأن في تمجيدهم تمجيد على رأيهم لرسالة الإسلام١.

ونظرية وقوع التعديل والتغيير والإصلاح في أصول الشعر الجاهلي، رأي قال به علماء العربية قبل المستشرقين، إذ نجد في كتبهم إشارات إلى تعديل أو تهذيب أو تغيير أحدثه أبو عمرو، أو الأصمعي أو غيرهما على لفظة أو بيت، لاعتقادهم بعدم انسجام أصل ما غيروه مع المعنى أو مع قواعد اللغة، أو لمخالفته للعروض، أو لوقوع تصحيف، فصححوا ما صححوه، بدافع عدم إمكان صدوره من شاعر جاهلي قديم. وفي رسالة الغفران، لأبي العلاء المعري، أمثلة كثيرة على ذلك، وقد خطأ الأقدام على التعديل، ودافع عن وقوع الزحاف والإقواء في الشعر الجاهلي، معتبرًا ذلك شيئًا لم يكن عيبًا في الشعر عند الجاهليين، لأنه كان أمرًا مألوفًا عندهم، وقد ذكرت رأيه في مواضع من هذا الكتاب.

وتتبع المرحوم مصطفى صادق الرافعي، ما جاء في التراث العربي عن الأدب العربي، فدونه في كتابه "تأريخ آداب العرب" تدوينًا يدل على إحاطة جيدة بما جاء في كتب الأسلاف من أخبار عن الشعر وأصحابه وعن انتحاله والعوامل التي دعت إلى الغش فيه، وإدخال ما ليس منه فيه، وقد خالف رأي من قال بتعليق "المعلقات"، ومخالفته هذه تعد فتنة بالنسبة لرواد الشعر والمعجبين به بالنسبة لذلك اليوم٢. ويعد كتابه من الكتب القيمة المدونة بالعربية بالنسبة لتلك الأيام، فهو رصين حوى خلاصة ما ذكره السلف عن أدب العرب، وإذا نظرنا إلى عمره يوم ألفه وإلى أسلوب دراسته، نجد أنه كان من نوادر المؤلفين في ذلك العهد.

وأحدث كتاب الدكتور طه حسين: "في الشعر الجاهلي" رجة عنيفة


١ Nicholson, A Literary History of The Arabs, p. ١٣٤.
٢ تأريخ آداب العرب "١/ ٣٦٥-٣٩١"، "٣/ ١٨٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>