للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الجاهلية حتى عصر بني أمية، فقد عرضه عرضًا جميلًا واضحًا، مستعملا ملاحظات أئمة العربية عنه، مع بيان ملاحظاته وآرائه فيه، وقد أحدثت محاضراته هذه أثرًا في كيفية دراسة الأدب العربي، لا بمصر وحدها، بل في الأقطار العربية التي كانت تتابع ما يحدث في مصر من تطور ثقافي١.

وهو وإن لم يأت في كتابه برأي جديد مثير، إذ كانت أفكاره وسطًا في الواقع بين القديم وبين الجديد، إلا أن طريقة عرضه لآرائه وأسلوبه في بحثه وفي تحدثه عن الشعراء، كانت طريقة جديدة غريبة بالنسبة لدارسي الأدب العربي في ذلك الوقت، ولَّدت شوقا في نفوس الدارسين للأدب العربي في ذلك الوقت إلى السير على الطريقة الغربية في نقد الأدب وفي تقبله وتحليله، وأولدت الشك في الوقت نفسه في الروايات القديمة المروية عن الأدب العربي، التي كان يتمسك بها القدماء تمسكهم بنصوص كتاب سماوي مقدس، باعتبار أنها رويات تتعلق بالماضي وبالتراث، ومن التجني على العربية والإسلام التعرض لها بأي سوء، وفي جملة ذلك الشك في صحتها والنيل منها وإلحاق الأذى بها.

وتطرق المستشرق الإنكليزي "مركليوث" في بحثه: "أصول الشعر العربي" "the Origins of Arabic poetry" إلى الشعر الجاهلي، وقد ذهب إلى أن أكثر هذا الشعر منحول، صنع في الإسلام ووضع على ألسنة الجاهليين. وقد أورد فيه الأدلة والبراهين التي استدل بها على إثبات رأيه. وقد لخصت آراؤه هذه ونقلت إلى العربية، فلا أجد حاجة إلى البحث عنها، ما دام غيري قد سبقني إلى هذا العمل٢.

وقد رأى بعض المستشرقين أن علماء اللغة أدخلوا تغييرًا على نصوص الشعر الجاهلي، لما وجدوا أن قواعدها لا تتفق مع القواعد التي استنبطوها من القرآن والحديث، أي من لغة قريش، ولذلك عدلوها ليكون إعرابها ملائمًا لما وضعوه من قواعد النحو، وهو رأي يتناقض مع رأي المستشرقين القائلين بأن القرآن إنما نزل بلغة عربية مبينة كانت فوق اللهجات وفوق اللغات، ولم ينزل بلهجة قريش،


١ كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية من الجاهلية حتى عصر بني أمية، "دار المعارف بمصر، سنة ١٩٧٠م".
٢ مصادر الشعر الجاهلي "٣٥٢ وما بعدها"، ريجيس بلاشير، تأريخ الأدب العربي "١٧٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>