للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ذكره المعري في رسالته يمثل رأيه ورأي من تقدم عليه من علماء الشعر في مواضع الانتحال في الشعر الجاهلي وفي نقد الشعر.

ونبه الجاحظ في كتبه إلى وجود شعر منحول، وقد نص عليه، وأشار إلى اسم من نسب له، من ذلك قوله:

"وفي منحول شعر النابغة:

فألقيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون

وليس لهذا الكلام وجه، وإنما ذلك كقولهم كان داود لا يخون، وكذلك كان موسى لا يخون"١.

والنحل في الشعر ليس بأمر غريب، إذ وقع في غير الشعر كذلك، وقع ذلك طلبًا للغريب وللنادر، "ذكر بعض مشايخنا -رحمهم الله- أنه رأى مصحفًا منسوبًا إلى أُبي خالف بعض حروفه حروف هذا المصحف، لكنا لا نأمن أن يكون ذلك من جهة بعض من يحب الافتخار بالغريب، فإن هذه بلية قد أضرت بالدين وأخلت بمصالح المسلمين، وطرقت الملحدين إلى الطعن في أركان الإسلام، وسهلت عليهم الشغب في أمره، وقد نرى من المفتئتين نواب الملوك، وعبيد أرباب الأموال، وأبناء الدنيا إذا لم يجدوا للقرآن وعلوم الدين عندهم موقعًا فيتقربون إليهم بغرائب الكتب، وإذا أعوزهم الغريب الذي يستذرع به أخذوا بعض الكتب المعروفة يزيدون فيها وينقصون، ويقدمون ويؤخرون ويعنونونه بعنوان بعيد ليتسببوا بذلك إلى استخراج شيء منهم.

فعلى هذا النحو لا يؤمن أحدهم أن يعمد إلى مصحف فيقدم منه سورًا ويؤخر أخرى، ويحرف ألفاظًا، ثم يزعم أنه مصحف علي أو عبد الله أو مصحف أبي، وليس غرض البائس من ذلك إلا أن يحمله إلى بعض الملوك فيقول: إن خزانة مثلك يجب ألا تخلو من نسخة من كل مصحف ليستخرج من حطامه شيئًا، ولا يبالي بما كان من جناية على الدين وأهله"٢.


١ الحيوان "٢/ ٢٤٦".
٢ مقدمتان في علوم القرآن "٤٧ وما بعدها"، "أرثر جفري"، القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية "١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>