للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرجل من بني ثعلبة بن سعد١ فيقول نابغة بني جعدة: صحبني شاب في الجاهلية ونحن نريد الحيرة، فأنشدني هذه القصيدة لنفسه، وذكر أنه من ثعلبة بن عكابة، وصادف قدومه شكاة من النعمان فلم يصل إليه. فيقول: نابغة بني ذبيان: ما أجدر ذلك أن يكون! "٢. فردّ هذا الشعر، وأنكر كونه من شعر النابغة، وبيّن بأسلوب جميل رأيه فيمن نحله عليه:

وتحدث عن الكلمة الشينية المنسوبة للنابغة الجعدي، التي يقول فيها:

ولقد أغدو بشرب أنف ... قبل أن يظهر في الأرض ربش

معنا زقٌّ إلى سمّهة ... تسق الآكال من رطب وهش

وبعد أن دوَّنها قال: "فيقول نابغة بني جعدة: ما جعلت الشين قط رويًّا، وفي هذا الشعر ألفاظ لم أسمع بها قط: ربش، وسمهة، وخشش"٣.

وتراه يتحدث عن قصيدة نسبت للأعشى، فيقول على لسان سائل يسأل أعشى قيس في الجنة عن قوله:

أمن قتلة بالأنقاء ... دارٌ غير محلولةْ

كأن لم تصحب الحي ... بها بيضاء عطبولةْ

أناة ينزل القوسي ... منها منظر هوله

إلى أن يكمل القصيدة، ثم يقول: "فيقول أعشى قيس: ما هذه مما رصد عني وإنك منذ اليوم لمولع بالمنحولات"٤.

وفي "رسالة الغفران" مواضع أخرى كثيرة تعرض فيها المعري لنقد الشعر، ولبيان الصحيح منه من الفاسد، تجعل الكتاب من الكتب الجيدة القديمة التي نبهت إلى وجود الصنعة والنحل في الشعر الجاهلي، والتي مهدت الجادة لمن جاء بعده من المستشرقين والمحدثين فتكلموا عن هذا الموضوع بلغة العصر الجديد.


١ رسالة الغفران "٢٠٧".
٢ رسالة الغفران "٢٠٧ وما بعدها".
٣ رسالة الغفران "٢٠٨ وما بعدها".
٤ رسالة الغفران "٢١١ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>