للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يقع نحل الشعر عند العرب وحدهم، وإنما وقع عند غيرهم كذلك. فقد وقع عند اليونان وعند الرومان وعند الفرس والعبرانيين، وهو آفة لا تزال حية، منهم من يضع على ألسنة المتقدمين، ومنهم من يسرق قول غيره فينسبه نفسه، وقد ضيقت وسائل النشر والإذاعة من سرقة آراء وأقوال الغير، وتسجيلها باسم سارق نسبها لنفسه، غير أن مشكلة تعيين أصول الشعر الجاهلي والنحل القديم، لا تزال من المشاكل المستعصية، لأن الوسائل الحديثة لا تتمكن من إحياء من في القبور واستنطاقهم عن المنحول والمسروق!

وقد وضع ابن سلام قاعدة في كيفية قبول الشعر والأخذ به، فقال: "قد اختلف العلماء في بعض الشعر، كما اختلفت في بعض الأشياء، أما ما اتفقوا عليه، فليس لأحد أن يخرج منه" وبقوله: "وليس لأحد، إذا اجتمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه، أن يقبل من صحيفة ولا يروي عن صحفي"١. وقد أبدى ملاحظات قيمة في نقد الشعر، فأشار إلى المزيف منه، وأظهر تحفظًا في قبول بعض الأشعار، لأنها منتحلة، فلما تطرق إلى شعر طرفة قال فيه: وشعره مضطرب ذاهب، لا أعرف له إلا قوله:

أقفر من أهله ملحوبُ ... فالقطبيَّات فالذنوبُ

ولا أدري ما بعد ذلك"٢. وذكر أن رواة الشعر وضعوا شعرًا كثيرًا على "طرفة" و "عبيد بن الأبرص"، وكانا من أقدم الفحول، وقد ضاع معظم شعرهما لذلك، فوضعوا عليهما الأشعار٣.

وأنكر أن يكون النابغة قد قال:

فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخونُ

وذكر أن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يقل هذا الشعر٤، وله ملاحظات أخرى


١ طبقات "٦".
٢ طبقات "١١٦".
٣ طبقات "٢٣".
٤ ابن سلام "٤٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>