للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعرائه، نجدها مدونة في كتبهم، وفي الكتب التي اعتمدت عليها، وقد نبهت ملاحظات أولئك العلماء المستشرقين الذين ظهروا في القرن التاسع عشر فما بعد، فعمدوا إلى دراستها وتحليلها، واستنبطوا منها آراءهم التي أبدوها عن الشعر الجاهلي.

وقد نبه أبو العلاء المعري إلى وجود الشعر المصنوع في "رسالة الغفران" وأشار إليه وشخّص قسمًا منه، وذكر اسم صانعيه في بعض الأحيان، فذكر الشعر المنسوب إلى "آدم" مثلا:

نحن بنو الأرض وسكانها ... منها خلقنا وإليها نعود

والسعد لا يبقى لأصحابه ... والنحس تمحوه ليالي السعود

وقال على لسانه: "إن هذا القول حق، وما نطقه إلا بعض الحكماء، ولكني لم أسمع به حتى الساعة"١.

ويقول أبو العلاء مخاطبًا آدم: "وكذلك يروون لك -صلى الله عليك- لما قتل هابيلَ قابيلُ:

تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح

وأودى ربع أهليها فبانوا ... وغودر في الثرى الوجه المليح

وبعضهم ينشد:

وزال بشاشة الوجه المليح٢

ثم يضع الجواب على لسان آدم، فيقوّله: "أعزز عليّ بكم معشر أبيني! إنكم في الضلالة متهوّكون! آليت ما نطقت هذا النظيم، ولا نطق في عصري وإنما نظمه بعض الفارغين، فلا حول ولا قوة إلا بالله! كذبتم على خالقكم وربكم، ثم على آدم أبيكم، ثم على حواء أمكم، وكذب بعضكم على بعض، ومآلكم في ذلك إلى الأرض"٣.


١ رسالة الغفران "٣٦٠".
٢ رسالة الغفران "٣٦٢ وما بعدها".
٣ رسالة الغفران "ص٣٦٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>