للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رجح "أحمد أمين" نسبة النحو إلى أبي الأسود، إذ يقول: "ويظهر لي أن نسبة النحو إلى أبي الأسود لها أساس صحيح، وذلك أن الرواة يكادون يتفقون على أن أبا الأسود قام بعمل من هذا النمط، وأنه ابتكر شكل المصحف. وواضح أن هذه خُطوة أولية في سبيل النحو تتمشى مع قانون النشوء، وممكن أن تأتي من أبي الأسود، وواضح كذلك أن هذا يلفت النظر إلى النحو. وعلى هذا فمن قال إن أبا الأسود وضع النحو، فقد كان يقصد شيئًا من هذا، وهو أنه وضع الأساس بضبط المصحف حتى لا تكون فتحة موضع كسرة، ولا ضمة موضع فتحة، فجاء بعد من أراد أن يفهم النحو على المعنى الدقيق، فاخترع تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، والاسم إلى ظاهر ومضمر، وغير ظاهر ولا مضمر، وباب التعجب وباب إن"١.

وقال: "فالذي يظهر أنهم يعنون بالعربية هذه العلامات التي تدل على الرفع والنصب والجر والجزم والضم والفتح والكسر والسكون والتي استعملها أبو الأسود في المصحف، وإن هذه الأمور لما توسع العلماء فيها بعد وسموا كلامهم نحوًا سحبوا اسم النحو على ما كان قبل من أبي الأسود، وقالوا: إنه واضع النحو للشبه في الأساس بين ما صنع وما صنعوا، وربما لم يكن هو يعرف اسم النحو بتاتًا. فالظاهر أن عمله كان في أول الأمر ساذجًا بسيطًا، وهو وضع علامات الرفع والنصب وما إليهما ولم يزد على ذلك، فلما سمى العلماء بعدُ بعضَ ضروب الرفع فاعلا وبعض ضروب النصب مفعولا قالوا: إن أبا الأسود وضع باب الفاعل والمفعول، وإن كان أبو الأسود نفسه لم يعرف فاعلا ولا مفعولا، بل ربما لم يعرف أيضًا رفعًا ولا نصبًا، فإنهم يروون أنه٨ قال لكاتبه: إذا رأيتني قد فتحت فِيَّ بالحرف فانقط نقطة فوقه، وإن ضممت في فانقط بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت. وهو تعبير ساذج يتفق وزمن أبي الأسود"٢.

ولإبراهيم مصطفى، رأي قريب من رأي "أحمد أمين". فهو يرى أن المصطلحات والقواعد التي ذكر أن أبا الأسود وضعها بأمر "علي" لا يمكن


١ ضحى الإسلام "٢/ ٢٨٦ وما بعدها".
٢ ضحى الإسلام "٢/ ٢٨٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>