للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تتفق وزمنه، لأن المصطلحات النحوية إنما ظهرت في وقت متأخر، ويذكر أن الآراء النحْوية، لم تظهر أيضًا في عهده، بدليل أننا لا نجد في كتاب سيبويه ولا في كتب النحو الأخرى رأيًا له. ويستنتج من ذلك أن عمل أبي الأسود كان وضع الإعراب وضبط المصحف١.

وقد درس المستشرقون موضوع نشأة علم النحو وأصله، فمنهم من قال إنه نقل من اليونان إلى بلاد العرب، وقال آخرون برأي علماء العربية، من أنه عربي الأصل والنجار، وقد نبت كما تنبت الشجرة في أرضها. وتوسط آخرون، فقالوا: إنه كان من إبداع العرب، ولكن لما تعلم العرب الفلسفة اليونانية من السريان في بلاد العراق، وتعلموا أيضًا شيئًا من النحو، وهو النحو الذي كتبه "أرسطوطاليس"، وبرهان هذا أن تقسيم الكلمة مختلف، قال "سيبويه": "فالكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل"، وهذا تقسيم أصلي، أما الفلسفة فيقسم فيها الكلام إلى اسم وكلمة ورباط، أي الاسم هو الاسم، والكلمة هي الفعل، كما يقال له في اللغات الأوروبية VERB، والرباط هو الحرف، كما يقال له في اللغة الأوروبية conjunction أي ارتباط، وهذه الكلمات اسم وفعل ورباط، ترجمت من اليوناني إلى السرياني، ومن السرياني إلى العربي، فسميت هكذا في كتب الفلسفة لا في كتب النحو، أما كلمات اسم وفعل وحرف فإنها اصطلاحات عربية ما ترجمت ولا نقلت٢.

ثم أن "القياس" هو من أهم الأسس والأصول في المنطق اليوناني، وحيث إنه كان من أهم أدوات علماء النحو في تفريع علم النحو، حتى صار من مميزات مدرسة البصرة، والبصرة غير بعيدة عن "جنديسابور" وعن مدارس نصرانية، كان فيها علماء يدرسون علوم اليونان، ومنها المنطق والنحو، فلا يستبعد تأثر أبي الأسود الدؤلي ومن جاء بعده بهذه الدراسات، ودليل ذلك، هو ظهور هذا العلم في البصرة دون سائر المدن الأخرى، ومنها مدن الحجاز مهد الإسلام.

ويرى "فون كريمر" أن ما يقال من أن ظهور اللحن، كان السبب


١ مجلة كلية الآداب، المجلد العاشر "ص٧١"، "دسمبر ١٩٤٨م".
٢ ضحى الإسلام "٢/ ٢٩٢ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>