للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن الخليل أول من تكلم في العروض، قيل له: نحن لا ننكر ذلك، بل نقول: إن هذين العلمين قد كانا قديْمًا وأتت عليهما الأيام وقلَّا في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان. وقد تقدم دليلنا في معنى الإعراب١.

وقال "ابن فارس": "ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم العربية كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء، والهمزة، والمد، والقصر، فكتبوا ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا في مثل: الخبء، والدفء، والملء"٢.

وقد استخدم ابن عباس لفظة "العربية" في معنى: الإعراب، وذكر لفظة "النحو" قبل كلمة: "الإعراب"، حيث قال كما ذكرت ذلك قبل قليل: "وإنهم لم يعرفوا نحوًا ولا إعرابًا ولا رفعًا ولا نصبًا ولا همزًا". وذكر غيره أيضًا أن أبا الأسود "أول من وضع العربية"، و"أول من نقط المصحف ووضع العربية"٣. وقد استنتج المرحوم أحمد أمين من ذلك الاستعمال أنهم يعنون بالعربية هذه العلامات التي تدل على الرفع والنصب والجر والجزم والضم والفتح والكسر والسكون والتي استعملها أبو الأسود في المصحف، وأن هذه الأمور لما توسع العلماء فيها بعد وسموا كلامهم "نحوًا" سحبوا اسم النحو على ما كان قبل من أبي الأسود وقالوا: إنه واضع النحو للشبه في الأساس بين ما صنع وما صنعوا، وربما لم يكن هو يعرف اسم النحو بتاتًا"٤. ففرق "أحمد أمين" بين "العربية" و"النحو" وجعل للعربية سابقة على علم النحو، وجعل النحو وليدًا ولد من العربية. وهو رأي لا يتفق مع رأي "ابن فارس"، الذي نص على النحو بذكر اسمه، كما نص على الإعراب من بعده.

هذا هو المشهور المعروف المتداول بين أكثر الناس عن منشأ علم النحو. وقد تعرض "ابن النديم" لهذا الموضوع فقال: "قال محمد بن إسحاق: زعم أكثر العلماء أن النحو أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأن أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- ثم روى روايات أخرى،


١ الصاحبي "ص٣٧ وما بعدها".
٢ الصاحبي "٣٩".
٣ ضحى الإسلام "٢/ ٢٨٧"، الإصابة "٢/ ٢٣٣"، "رقم ٤٣٢٩".
٤ ضحى الإسلام "٢/ ٣٨٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>