للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أول من وضع العربية، لكن هذا العلم قد كان قديمًا، وأتت عليه الأيام، وقلَّ في أيدي الناس، ثم جدده هذا الإمام١. فأبو الأسود الدؤلي هو مجدد هذا العلم وباعثه، وليس موجده ومخترعه.

فنحن إذن أمام رأي جديد، رأي يرجع علم العربية إلى ما قبل الإسلام وكفى لكنه لم يفصل ولم يشرح ولم يتعرض لموضوع متى كان ظهور هذا العلم في القديم وكيف وجد وهل كان للألسنة الأعجمية كاليونانية أو السريانية أثر في ظهوره ونشوئه؟ ثم إنه لم يتعرض للأسباب التي جعلت الأيام تأتي عليه حتى قل في أيدي الناس، إلى أن ظهر أبو الأسود فأعاده إلى الوجود، ولم يذكر كيف عثر أبو الأسود على هذا العلم ومن لقنه به حتى بعثه وجدده؟

تعرض "ابن فارس" لبحث منشأ علم النحو في أثناء كلامه على الخط العربي فقال: "وزعم قوم أن العرب العاربة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها، وأنهم لم يعرفوا نحوًا ولا إعرابًا ولا رفعًا ولا نصبًا ولا همزًا"٢. وهو يرى أن رأيهم باطل، وأن بين العرب من كان يقرأ كما كان بينهم من كان أميًّا، وجاء بأمثلة في تفنيد دعواهم، ثم خلص إلى هذه النتيجة: "فإذا لم نزعم أن العرب كلها -مدرًا ووبرًا- قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها. وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم، فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة"٣. ثم قال: "والذي نقوله في الحروف، هو قولنا في الإعراب والعروض والدليل على صحة هذا وأن القوم قد تداولوا الإعراب أنا نستقرئ قصيدة الحطيئة التي أوَّلها:

شاقتك أظعان لليلى ... دون ناظرة بواكر

فنجد قوافيها كلها عند الترنم والإعراب تجيء مرفوعة، ولولا علم الحطيئة بذلك لأشبه أن يختلف إعرابها، لأن تساويها في حركة واحدة اتفاقًا من غير قصد لا يكاد يكون.

فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أول من وضع العربية،


١ الصاحبي "ص٣٧ وما بعدها".
٢ الصاحبي "ص٣٥".
٣ "ص٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>