للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكهان ورجال الدين بالدرجة الأولى، هم يداوون المريض ويعطونه الوصفات التي يعتقدون أن فيها الشفاء للمريض، كما كانوا يعتقدون بالنظر، أي: بإصابة الإنسان، فيلحقه المرض١.

وقد مارس التطبيب بين العرب المبشرون، وذلك بعد الميلاد بالطبع، وأكثرهم من الأعاجم، وكانوا قد درسوا الطب وتعلموه على الطريقة اليونانية في الغالب، فلما أرسلوا إلى بلاد العرب أو جاءوا هم أنفسهم للتبشير، مارسوا تطبيب المرضى، وقد شفوا جماعة من سادات القبائل، وأثر شفاؤهم هذا عليهم فاعتنقوا النصرانية.

واشتهر "العباديون" بالتطبيب كذلك٢، ولعل ذلك بعامل تنصرهم، فقد كان أكثر رجال الدين النصارى يدرسون مختلف العلوم، وفي جملة ذلك الطب، ومنهم من ترجم كتب العلوم اليونانية إلى السريانية، فدرس العباديون هذه العلوم. وكان طبهم مبنيًّا على العلوم والتجارب السابقة، ومتقدمًا جدًّا بالنسبة إلى طب أهل البادية، لذلك نجح المبشرون والنصارى في معالجة أمراض الأعراب، ولا سيما سادتهم، الذين صاروا يقصدونهم لنيل الشفاء على أيديهم. ومن ثم اشتهر النصارى بالطب، ولما جاء الإسلام، كان أكثر الأطباء من النصارى، وعلى أيديهم تخرج الأطباء المسلمون.

وقد استخدم الجاهليون النساء لتمريض الجرحى في غزوهم وغاراتهم، وقد فعل المسلمون فعلهم. قالت "بنت معوذ بن عفراء": "كنا نغزو مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة"٣.

وقد كان في مسجد الرسول موضع يعالج فيه المرضى والجرحى، وكان الرسول والصحابة يتفقدون المرضى النازلين به٤.

وليس في الموارد المتوفرة لدينا ما يدل على إقدام الأطباء الجاهليين على التشريح، للاستفادة منه في زيادة علمهم بالطب. وقد كانت شعوب الشرق الأدنى تنفر من تشريح الإنسان، وتعده مثلة وإهانة للمتوفى. وعملًا مخالفًا لأحكام الدين،


١ Hastings. Dict. Of. The Bible, P. ٥٩٧. ff.
٢ الفاخر "ص٥٨".
٣ إرشاد الساري "٨/ ٣٦١".
٤ كتاب الجهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>