للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استخرجوه منها. وجوزوا قيام الرجل بذلك. وعبروا عن ذلك بـ"السطو"١.

ويلعب التطبيب بالسحر والرقي والتعويذ دورًا خطيرًا في حياة الجاهليين، كما يظهر ذلك من الأخبار الواردة في كتب الحديث والأدب، حتى عد السحر نوعًا من الطب٢. وقد منع الإسلام أكثرها وحرمها، ومع ذلك بقية حية مستعملة بين الأعراب والجهلة من أهل القرى الذين لا تساعدهم أحوالهم المعاشية على مراجعة الأطباء. ويقوم هذا التطبيب على التأثير في المريض، واستعمال بعض الحرز أو عظام بعض الحيوانات والسحر، بحجة وجود علاقة بين المرض والأرواح، وأن هذا النوع من التطبيب يطرد الروح الخبيثة التي تدخل الجسم فتصيبه بالمرض من ذلك الجسم. وهذا الرأي في المرض، رأي شرقي قديم، سيطر على كل الشعوب القديمة. فقد كان في رأي الأطباء، أن المرض روح شريرة تستولي على الجسم المريض بدخولها فيه، وأن واجب الطبيب العمل بعلمه وبفنه لإخراج الروح الشريرة من الجسم٣.

وفي جملة الوسائل التي استعملت لمكافحة المرض والتغلب على الأرواح الشريرة أو النظر، أي: إصابة الإنسان بالعين من حاسد تصيب عينه إصابة مؤذية، الاستعانة بالرقى والتعاويذ. وقد كان العبرانيون يطلقون على التعاويذ لفظة "حرط"٤، وهي أنواع، بعضها على هيئة قلب يعلق بسلسلة في العنق، ويتهدل القلب إلى الصدر، فيكون من جملة وسائل الزينة، وبعضها يربط بالعضد وفي مواضع أخرى من الجسم.

ولم يقتصر الجاهليون في اتخاذ هذه الوسائل على حماية أنفسهم فقط، بل اتخذوها لحماية ما يملكونه أيضًا من حيوان وزرع وملك، فعلقوا العظام أو المعادن أو نعل الحيوان مثل نعل الفرس، ورسموا العين واليد على الجدر وفوق الأبواب، لحمايتها من العيون المؤذية ومن حسد الحاسدين، ولا يزال الناس يستعملونها لحماية أنفسهم ومقتنياتهم من الإصابة بأذى العين وبحسد الحاسدين.


١ تاج العروس "١٠/ ١٧٧"، "سطا".
٢ عمدة القاري "٢١/ ٢٦٣ وما بعدها" شرح القاموس "١/ ٣٥١.
٣ A. Jeremias, Altorientalische Geisteskultur, S. ٥٥. FF, The Universal Jewish Ency, vol, ٧ pp. ٤٣٤.
٤ Hastigns Dict, vol. I, p. ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>