للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر أن ثقيفًا كانت قد حذقت الكتابة وبرزت بها. فقد ورد أن عمر بن الخطاب قال: "لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف"، وأن عثمان بن عفان قال: "اجعلوا المملي من هذيل والكاتب من ثقيف"١. وذكر أن "غيلان بن سلمة بن معتب"، وهو ممن أسلم يوم الطائف، كان كاتبًا كما كان معلمًا٢.

وورد في الأخبار أن الجاهليين كانوا يضعون الكتب التي ترسل إلى الملوك من الآفاق، على لوح ضمت إلية ألواح من جوانبه، فلا تمسها إلا يد الملك، يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء ويجيب على ما فيها. وفي هذا الخبر دلالة على شيوع الكتابة والمراسلات عند الجاهليين، وعلى وجود ديوان خاص لدى الملوك، يتولى النظر في المراسلات. وفي هذا المعنى ورد في شعر لبيد:

أو مذهبٌ جدد على ألواحـ ... هن الناطق المبروز والمختوم٣

ويظهر أن قومًا من الشعراء كانوا يكتبون ويقرءون. ومنهم من كان على ثقافة وعلم. ورد في شعر للشاعر "لبيد" قوله:

وجلا السيولُ عن الطلول كأنها ... زُبر تجدّ متونها أقلامها٤

ولا يمكن صدور هذا البيت، إلا من رجل كاتب له ذكاء حاد، وربما كان ذلك الشاعر كاتبًا يدوّن شعره ويحفظه عنده، فوصفه مثل هذا للطلول، لا يمكن أن يقال إلا من رجل له علم بالكتابة، وحذق ودراية.

وفي البيت الآتي:

فمدافع الريّان عُرّي رسمها ... خلقًا كما ضمن الوحي سِلامها

إشارة إلى الكتابة كذلك، فالوحي هو الكتابة، والسِّلام الحجارة، أي: كان


١ ابن فارس، الصاحبي "٢٨".
٢ المحبر "٤٧٥".
٣ شرح ديوان لبيد "ص١١٩".
٤ شرح ديوان لبيد "ص٢٩٩"، بلوغ الأرب "٣/ ٣٦٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>