للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانتشر بها، وأنه لو كانت الكتابة منتشرة عندهم، لما كلف الرسول القارئين الكاتبين من أسرى بدر، بأن يعلم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة، فداء لنفسه من الأسر١.

ويظهر أن يهود يثرب، وربما بقية يهود، مثل يهود خيبر، وتيماء وفدك ووادي القرى، كانوا يكتبون بقلمهم، كما كانوا يكتبون بالعربية، ويظهر من استعمال "البلاذري" جملة: "وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكان تعلمه الصبيان في بالمدينة في الزمن الأول"٢، أن يهود يثرب كانوا يكتبون بالعربية، كما كان يكتب بها صبيان المدينة، وكانوا يعلمون الكتابة لصبيان يثرب في مدارسهم. وفي هذا الخبر وأمثاله دلالة على أن الكتابة كانت معروفة بين أهل يثرب أيضًا قبل الإسلام، وأنها كانت قديمة فيهم، ولهذا فلا معنى لزعم من قال: إنها انتشرب بيثرب في الإسلام، وإن الكتابة كانت قليلة بها قبل هذا العهد.

وقصد أهل الأخبار بجملة "وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية، الكتابة بالخط العربي الشمالي، لا بالقلم المسند؛ لأن هذا هو مرادهم من "الكتاب العربي" و"كتاب العربية"، ويظهر أن اليهود قد تعلموا الخط العربي من عرب العراق وبلاد الشأم، أو من التجار والمبشرين الذين كانوا يفدون إلى الحجاز، وأما القلم المسند، الذي هو قلم العرب الجنوبيين، فلم يكن مستعملًا في يثرب، وإلا لأشير إليه، مع أنها من القواعد المتعصبة للقحطانية، وحاملة الدعوة إلى اليمن قبل الإسلام وفي الإسلام، وأن سلطانه كان قد تقلص كثيرًا خارج العربية الجنوبية قبل نزول الوحي على الرسول، وربما كان القلم العربي الشمالي قد دخل العربية الجنوبية أيضًا قبل الإسلام، فأخذ ينافس المسند فيها، ولا سيما في المناطق التي تركزت فيها النصرانية وتحكمت في أهلها، فأخذ النصارى يقاومون ذلك القلم؛ لأنه قلم الوثنية، ويعلّمون أولاد النصارى القلم العربي الشمالي؛ لأنه قلمهم الذي كانوا يعلمون به في كنائس العرب في العراق وفي دومة الجندل وبلاد الشأم.

وقد أطلق العرب على الذي يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي، وقيل الحساب


١ ابن سعد، طبقات "الجزء الثاني، القسم الأول"، "١٤".
٢ البلاذري، فتوح "٤٥٩"، "المكتبة التجارية".

<<  <  ج: ص:  >  >>