للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجد عند ظهور الإسلام قوم كانوا يكتبون ويقرءون ويطالعون الكتب بمكة ولهم إلمام بكتب أعجمية، ومن هؤلاء "الأحناف" وقد ذكر عن بعض أنهم كانوا يجيدون بعض اللغات الأعجمية، وأنهم وقفوا على كتب اليهود والنصارى وعلى كتب أخرى. وفي معركة "بدر" اشترط الرسول على من أراد فداء نفسه ولم يكن موسرًا من أهل مكة، أن يعلم عشرة نفر من المسلمين القراءة والكتابة، كما كان من عادة أهل مكة تدوين ما يجمعون عليه وما يلزمون أنفسهم به في صحف يختمونها بخواتمهم وبأسمائهم لتكون شواهد على عزمهم كالذي فعلوه في الصحيفة. وذكر أن أمية بن أبي الصلت كان فيمن قرأ الكتب ووقف عليها١، وذكروا غيره أيضًا.

وذكر أهل الأخبار أن قومًا من أهل يثرب من الأوس والخزرج، كانوا يكتبون ويقرءون عند ظهور الإسلام، ذكروا فيهم: سعد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وكان يكتب بالكتابين العربية والعبرية أو السريانية، ورافع بن مالك وأُسيد بن حُضير، ومعنى "معن" بن عدي البلوي، وأبو عبس بن كثير، وأوس بن خولي، وبشير بن سعيد، وسعد بن عُبادة، والربيع بن زياد العبسي، وعبد الرحمن بن جبر، وعبد الله بن أُبي، وسعد بن الربيع، وقد رجعوا أصل علمهم بالكتابة والقراءة إلى قوم من يهود يثرب، مارسوا تعليم الصبيان القراءة والكتابة، دعوهم "بني ماسكة"٢. ويظهر -إن صحت هذه الرواية- أن يهود يثرب كانوا يكتبون بالعربية أيضًا، وأنهم كانوا يعلمونها للعرب. وتعرض البلاذري لهذا الموضوع فقال: "كان الكتاب في الأوس والخزرج قليلًا، وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول، فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون"٣. ونجد هذا الخبر في موارد أخرى، أخذته دون أن تشير إلى السند، فظهر وكأنه حقيقة مسلمة وخبر متواتر، حتى جاز على المحدثين، فبنوا عليه حكمًا، هو أن الكتاب كان في يثرب قليلًا، حتى جاء الإسلام،


١ المغارف، لابن قتيبة "ص٢٨".
٢ صبح الأعشى "٣/ ١٥".
٣ البلاذري، فتوح "٤٧٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>