في الكتابة به؛ لأنه كان قلم العلم والثقافة والأدب في ذلك الحين. ثم إننا سمعنا أن ملوكهم المتنصرين كانوا يرأسون مجالس المناظرات في أمور الدين، ويبحثون مع رجال الدين في موضوعات دينية، ويدافعون عن مذهب اليعاقبة في طبيعة المسيح، ومثل هؤلاء الملوك لا يعقل أن يكونوا جهلة أميين لا يقرءون ولا يكتبون.
وقد سبق أن تحدثت عن الكتابات الصفوية وعن كتابات عربية شمالية أخرى، عثر عليها السياح والمستشرقون في مواضع متعددة من "الصفاة" وفي البوادي، كتبت على صخور وهشيم صخور منثور، دل البحث فيها على أنها كتابات أعراب، كان أصحابها يتنقلون من مكان إلى مكان طلبًا للمرعى والصيد.
وتدل تلك الكتابات الصفوية على أن أعراب الجاهلية كانوا في أيام الجاهلية أحسن حالًا من حيث علمهم بالكتابة والقراءة من أعراب هذا اليوم. فالكتابات الصفوية الكثيرة المبعثرة في البوداي، هي كتابات أعراب، متجولين، كانوا يرعون الإبل وبقية الماشية، فكانوا يسلّون أنفسهم بالكتابة والتصوير على الحجارة، بينما لا نكاد نجد بين أعراب هذا اليوم من يكاد يقرأ ويكتب.
كما تحدثت عن كتابات ثمودية، وثمود قوم من لبّ العرب ومادة العرب البائدة الأولى في عرف النسابين، وتحدثت أيضًا عن القلم المسند بلهجاته ولغاته، فهل يصدق بعد هذا قول من زعم أن العرب قبل الإسلام كانوا في جهالة عمياء، لا يقرءون ولا يكتبون.
ولا يعقل أن يكون المذكورون أميين كتبوا للتسلية والتلهية، وأن الأوامر والقوانين التي دوّنها ملوك اليمن قبل الإسلام وأعلنوها للناس بوضعها في المحلات العامة وفي الأماكن البارزة كانت مجرد تدوين أو تزويق وتزيين، لا للإعلان ولإفهام المواطنين بمحتوياتها. إن تدوين تلك الكتابات ووضع الحجارة الفخمة المكتوبة للإعلان، دليل على أن في الناس قومًا يقرءون ويكتبون ويفهمون، وأن الحكومات إنما أمرت بتدوينها لإعلام الناس بمحتوياتها للعمل بها، كما تفعل الحكومات في الوقت الحاضر عند إصدارها أمرًا أو قانونًا بإذاعته بالوسائل المعروفة على الناس للوقوف عليها، وأن من بين الحجارة الصفوية واللحيانية والثمودية المكتوبة، ما هو رسائل وكتب وجهت إلى أشخاص معروفين، كما نفعل اليوم في توجيه الرسائل إلى الأقرباء والأصدقاء.