للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفتُ الديار كرَقْم الدوا ... ة يزبره الكاتب الحميري

برقم ووشي كما زخرفت ... بميشمها المزدهاة الهدي

أدان وأنبأه الأولو ... ن أن المدان المليُّ الوفيّ

فنمنم في صحف كالريا ... ط فيهن إرث كتاب محيّ١

وهي قصيدة عدتها أربعة عشر بيتًا، ذكر في أولها دروس الديار وطموسها إلى أن رثى ابن عمه "نشيبة" بخمس أبيات من آخرها٢.

ويظهر من هذه الأبيات أن ذلك الكاتب الحميري كان يكتب بالحبر الموجود في دواة على شيء يصلح للكتابة عليه كأديم أو قرطاس، ولم يكن يستعمل المزبر المعمول من حديد لنقش الحروف على الحجر. وهذا مما يدل على أن أهل العربية الجنوبية كانوا يكتبون على مواد الكتابة الأخرى بالحبر والقلم، فِعْل أهل مكة وأهل الحيرة ودومة الجندل.

وذكر أهل الأخبار أيضًا، أن رجلين من "بني نهد بن زيد" يقال لهما: "حزن" و"سهل" كانا يكتبان ويقرآن. وكانا قد زارا "الحارث بن مارية" الغساني، وكانا عندهما حديث من أحاديث العرب، ولهما ظرافة وأدب وصحبة، فنزلا منزلًا طيبًا من قلب الحارث، فحسدهما "زهير بن جناب الكلبي" وكان من ندماء الملك، فأراد إفساد مكانهما عنده، فقال له: "هما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك"٣. يريد إخباره أنهما كانا يتجسسان عليه فيكتبان بأخباره إلى خصمه "المنذر" الأكبر، ملك الحيرة، جدّ النعمان بن المنذر.

وأما عرب بلاد الشأم، فلم يذكر أهل الأخبار شيئًا عن علمهم بالكتابة والقراءة، ولكن ذلك لايمكن أن يكون دليلًا على جهلهم بها. ولا سيما أنهم كانوا على اتصال ببني إرم في بلاد الشأم وبعرب بلاد العراق، ثم إنه يجوز أنهم كانوا يكتبون بقلم بني إرم، على عادة معظم شعوب الشرق الأدنى إذ ذاك،


١ ديوان الهذليين "١/ ٦٤".
٢ الخزانة "٣/ ٢٩١"، "بولاق".
٣ الأغاني "٥/ ١١٨"، "دار الكتب".

<<  <  ج: ص:  >  >>