ولم يشر الأخباريون إلى هذا الحادث، ويظهر أنهم لم يعرفوه، وقد ذكر حمزة أن الذي حكم بعد المنذر هو شقيقه النعمان. وقد جعل مدة حكمه خمس عشرة سنة وستة أشهر١.
وزاد في رَبْك وضع الغساسنة وفي انقسامهم على أنفسهم، غزو الفرس لبلاد الشأم سنة "٦١٣-٦١٤م"، فقد اكتسح الفرس كل بلاد الشأم، وصار عرب الشأم أمام حكام جدد، لم يألفوا حكمهم من قبل، ولكن ألفوهم دائمًا في جانب عرب الحيرة أعداء الغساسنة ومنافسيهم.
وقد تمكن الغساسنة من رؤية وجوه البيزنطيين مرة أخرى وذلك في حوالي سنة "٦٢٩م"، فقد تمكن البيزنطيون من طرد الفرس من الأرضين التي استولوا عليها ومن إجلائهم نهائيًّا عنها، وإعادة فرض حكمهم عليها، غير أن الأقدار أبت أن تبقيهم هذه المرة مدة طويلة في بلاد الشأم، فأكرهتهم على فتح أبوابها للإسلام، فتساقطت مدنها في أيدي المسلمين تساقط ورق الشجر في أيام الخريف. وصارت دمشق درة بلاد الشأم من أهم حواضر الإسلام. أما ملك الغساسنة، فقد ولى، ولم يبقى للغسانيين حكم في هذه البلاد منذ هذا الزمن.
وقد خمد اسم رؤساء غسان في الموارد اليونانية والسريانية منذ قبض على النعمان، فعدنا لا نجد في تلك الموارد شيئًا يذكر عنهم، وفي سكوت هذه الموارد عن إيراد أخبارهم، دليل على زوال شوكتهم وهيبتهم وعدم اهتمام الروم بأمرهم، حيث ضعف أمرهم بسبب تفرق كلمتهم وتنازعهم بينهم. أما الموارد الإسلامية، فإنها بقيت تذكر أسماء رجال منهم زعمت أنهم ملكوا وحكموا، بل زعمت أن بعضهم حكموا دمشق، وبقيت تذكر أسماءهم إلى أيام الفتح الإسلامي، ومن هذه الموارد تأريخ حمزة الأصفهاني، الذي استمر يذكر أسماء من ملك من آل غسان حتى انتهى بآخرهم وهو جبلة بن الأيهم. وفي هذه الأسماء تكرار وزيادات، لذلك زاد عدد من ذكرهم من ملوك غسان على عدد ما ورد عند سواه من المؤرخين.
وأنا لا أستطيع أن أوافق حمزة على العدد المذكور، وأخالفه في مدد حكمهم.