للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن العبري أن النعمان لما بلغته رسالة القائد ماكنوس لم يذهب إليه، وإنما أرسل إليه بعض الشبان وأمره أن يتظاهر له بأنه هو النعمان. فلما وصل الشاب إلى القائد، سأله: أأنت النعمان؟ فقال له: نعم، جئتك بحسب أمرك، فقال القائد لمن معه: أقبضوا على عدو الملك، وقيدوه بالحديد. ولما تبين للقائد أنه لم يكن النعمان، هَمَّ بقتله، ثم أمر بإخراجه، فعاد إلى أهله. وتوفي ماكنوس بعد ذلك بأمر قصير١.

ويدعي ابن العبري أن النعمان ذهب بعد ذلك إلى "موريقيوس" "mauricius" واعتذر إليه وبين له أنه إنما حارب مع الفرس ليتمكن بذلك من إنقاذ والده من الأسر.

ولما طلب منه "موريقيوس" أن يدخل في المذهب الخلقيدوني، أجابه أن جميع القبائل العربية "طياية" هي على المذهب الحنيف "الأرثدوكس" "orthodox"، وأنه إذا بدل مذهبه لا يأمن على نفسه من القتل، ولما قفل راجعًا، قبض عليه ونفي٢.

لقد تصدع بناء الغساسنة وتفكك، وانقسم الأمراء على أنفسهم، وذلك حوالي سنة "٥٨٣" أو "٥٨٤م" على تقدير نولدكه. ويشير ميخائيل السوري وابن العبري إلى أنهم انقسموا بعد القبض على النعمان إلى خمس عشرة فرقة تركت بعضها ديارها فهاجرت إلى العراق وتشتت الباقون، ولم يبق لهم شأن يذكر. ولم يشر الكتبة السريان أو البيزنطيون إلى ملك الغساسنة بعد هذا الحادث٣، وهو أمر يؤسف له غاية الأسف. إذ حرمنا بذلك من الحصول على وثائق مهمة تساعدنا في معرفة تأريخ عرب الشام.

وقد عقب هذا التصدع حدوث اضطراب في الأمن وفوضى بين القبائل التي أخذت تتنافس بينها للحصول على الرئاسة والسيادة، ولخطورة مثل هذه الأحوال بالنسبة إلى الروم وسلامة الحدود، كان هذا مما حمل البيزنطيين على التفكير في اختيار رئيس قوي من سادات القبائل المتنافسين ليقوم بضبط هذه القبائل وإعادة الأمن إلى نصابه وحماية الحدود من هجمات عرب الحيرة٤.


١ Bar Gebraeus, Vol, I, P. ٨٢
٢ Bar Gebraeus, I, P. ٨٢
٣ غسان "ص٣٣، ٣٥".
٤ Noldeke, S. ٣١, Ency, II, P. ١٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>