قال الشيخ: وبالجملة فمعناه أصلان عظيمان: أحدهما أن لا نعبد إلا الله، والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع فلا نعبده بعبادة مبتدعة. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وذلك تحقيق قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي لفظ في الصحيح "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وفي الصحيح وغيره أيضا "يقول لله تعالى أنا أغنى الشركاء من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو كله للذي أشرك"، وقد سبق إيضاح أنه ما من رسول إلا وقد أمر بأن يقول لقومه {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، وقوله:"قال طائفة من السلف" يعني كمجاهد وابن عباس وقوله: "وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي "حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله إلى آخره " المعنى أن الله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحد، وهذا اختيار المحققين كالشيخ رحمه الله، وقيل المعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون، قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة، قال الله تعالى:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ، ففرق بين الحسب والتأييد فجعل الحسب له وحده وجعل التأييد له بنصره وبعباده وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب فقال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ولم يقولوا حسبنا الله ورسوله ونظير هذا قوله سبحانه: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ، فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ورسوله وجعل الحسب له وحده فلم يقل وقالوا حسبنا الله ورسوله بل جعله خالص حقه كما قال:{إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} فجعل الرغبة إليه وحده كما قال: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} ، فالرغبة والتوكل والإنابة