ثمَّ قيل لمن يشْتَغل بِمَا لَا يعنيه فُضُولِيّ، وَلذَا لم يرد إِلَى الْوَاحِد عَن النِّسْبَة، وَلَا يبعد أَن تفتح الْفَاء فَيكون مُبَالغَة (فَاضل) من (الْفضل)
وَالْعرب تبني للمصدر بالفعيلة عَمَّا دلّ على الطبيعة غَالِبا فتأتي: بالفضيلة إِذا قصد بِهِ صِفَات الْكَمَال من الْعلم وَنَحْوه للإشعار بِأَنَّهَا لَازِمَة دائمة، وَتَأْتِي أَيْضا بِالْفَضْلِ إِذا قصد بِهِ النَّوَافِل بِاعْتِبَار تجدّد الْآثَار، لِأَن السَّائِل يَتَعَدَّد وَإِن كَانَ المسؤول وَاحِدًا
وَالْفضل والفاضلة: الإفضال، وجمعهما فضول وفواضل
والفضائل: هِيَ المزايا غير المتعدية
والفواضل: هِيَ المزايا المتعدية والأيادي الجسيمة أَو الجميلة، وَالْمرَاد بالتعدية التَّعَلُّق كالإنعام أَي إِعْطَاء النِّعْمَة وإيصالها إِلَى الْغَيْر لَا الِانْتِقَال
وَالْفضل بِمَعْنى كَثْرَة الثَّوَاب فِي مُقَابلَة الْقلَّة
وَالْخَيْر: بِمَعْنى النَّفْع بِمُقَابلَة الشَّرّ
وَالْأول من الْكَيْفِيَّة، وَالثَّانِي من الكمية
وَالْفضل بِالصّفةِ القائمية كالعلوم، وبالصفة المقومية كتقدم آدم النَّبِي على الْجَمِيع لِأَنَّهُ أساس الْأَنْبِيَاء
وبالصفة الإضافية كخاتمية سيدنَا مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَن الحكم يُضَاف إِلَى آخر الْعلَّة
وَفضل الْإِنْسَان على سَائِر الْحَيَوَانَات بِأُمُور خلقية طبيعية ذاتية مثل الْعقل والنطق والخط وَغَيرهَا هُوَ التكريم واكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة بِوَاسِطَة ذَلِك الْعقل هُوَ التقضيل وَالْفضل من حَيْثُ الْجِنْس: كفضل جنس الْحَيَوَان على جنس النَّبَات
وَمن حَيْثُ النَّوْع: كفضل الْإِنْسَان على غَيره من الْحَيَوَان
وَمن حَيْثُ الذَّات: كفضل رجل على آخر والأولان جوهران لَا سَبِيل للناقص فيهمَا أَن يزِيل نَقصه وَأَن يَسْتَفِيد الْفضل وَالْفضل الثَّالِث: عرض فيوجد السَّبِيل إِلَى اكتسابه {وَأَن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء} : يتَنَاوَل الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة من الْفضل
وَقَوْلهمْ: (فضلا عَن كَذَا) من قَوْلك: (فضل عَن المَال كَذَا) وَإِذا ذهب أَكْثَره وَبَقِي أَقَله، وَهُوَ مصدر فعل مَحْذُوف أبدا أَي: فضل فضلا يسْتَعْمل فِي مَوضِع يستبعد فِيهِ الْأَدْنَى وَيُرَاد بِهِ اسْتِحَالَة مَا فَوْقه، وَلِهَذَا يَقع بَين كلامين متغايرين معنى مثل (لَكِن)
وَيُقَال فِي تَفْضِيل بعض الشَّيْء على كُله: فلَان أول الجريدة، وَبَيت القصيدة: وَقد نظمت فِي فضل بعض الْخلق على بعض:
(لخير جَمِيع الْخلق أَعنِي مُحَمَّدًا ... كمعجزه فضل لأمته نور)
(وَفَاطِمَة الزهراء بِالْأَصْلِ فضلت ... كعائشة بِالْعلمِ ذَاك شهير)
(وتأثير أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة ... كعائشة نصرا لديك يَدُور)
(لصالحنا عكس الْبِدَايَة رُتْبَة ... على ملك دَار الثَّوَاب وحور)
(أحب إِلَى الله الْمُجيب مَدِينَة ... من أول أَرض بِالدُّعَاءِ شُعُور)