للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التغليب: هُوَ لُغَة إِيرَاد اللَّفْظ الْغَالِب وَعرفا: هُوَ أَن يغلب على الشَّيْء مَا لغيره لتناسب بَينهمَا أَو اخْتِلَاط، كالأبوين فِي الْأَب وَالأُم، والمشرقين والمغربين والخافقين فِي الْمشرق وَالْمغْرب، والقمرين فِي الشَّمْس وَالْقَمَر، والعمرين فِي أبي بكر وَعمر، والمروتين فِي الصَّفَا والمروة وَلأَجل الِاخْتِلَاط أطلقت كلمة (من) على مَا لَا يعقل فِي نَحْو: {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} ؛ وَأطلق اسْم المخاطبين على الغائبين فِي نَحْو: {اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} لِأَن (لَعَلَّ) مُتَعَلقَة ب (خَلقكُم)

والمذكرين على الْمُؤَنَّث حَتَّى عدت مِنْهُم نَحْو: {وَكَانَت من القانتين} ؛ وَالْمَلَائِكَة على إِبْلِيس حَتَّى اسْتثْنِي فِي {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} والمخاطبين والعقلاء على الغائبين والأنعام فِي قَوْله تَعَالَى: {يذرؤكم فِيهِ} وَمن التغليب قَوْله: {أَو لتعودن فِي ملتنا} لِأَن شعيبا لم يكن فِي ملتهم قطّ، بِخِلَاف الَّذين آمنُوا مَعَه

وَالْعرب تغلب الْأَقْرَب على الْأَبْعَد بِدَلِيل تَغْلِيب الْمُتَكَلّم على الْمُخَاطب، وهما على الْغَائِب فِي الْأَسْمَاء نَحْو: (أَنا وَأَنت قمنا) و (أَنْت وَزيد قمتما)

وَاسْتدلَّ بذلك على أَن الْمُضَارع يسْتَعْمل للْحَال بِلَا قرينَة، لِأَن الْحَال أقرب، وللمستقبل بِقَرِينَة السِّين أَو سَوف، وَإِنَّمَا الْآن والساعة قرينَة لنفي الْمجَاز لَا لتحققه، كَقَوْلِك: (رَأَيْت أسدا يفترس) ، وَكَذَا يغلب الأعرف على غَيره، وَلَو اعْترض على هَذَا بِلُزُوم كَون اسْم الْإِشَارَة أعرف من اسْم الْعلم، مَعَ أَن أَكثر النُّحَاة على عَكسه، وَلِهَذَا جَازَ نعت الْعلم باسم الْإِشَارَة دون الْعَكْس

فَلَا يُقَال: (جَاءَ هَذَا زيد) فيجاب عَنهُ بِأَن الْعلم وَإِن كَانَ أعرف مِنْهُ من حَيْثُ إِن تَعْرِيف العلمية لَا يُفَارق الْمُعَرّف حَاضرا كَانَ أَو غَائِبا، حَيا كَانَ أَو مَيتا بِخِلَاف اسْم الْإِشَارَة، لكنه فِي قطع الِاشْتِرَاك دون اسْم الْإِشَارَة، لِأَن تَعْرِيفه حظا من الْعين وَالْقلب؛ وَالْعلم حَظه من الْقلب خَاصَّة

وَقد يُرَاد بالتغليب تَعْمِيم اللَّفْظ الْعَام بِحَسب الْوَضع على مَا هُوَ غير المصطلح

قَالَ التِّرْمِذِيّ: " قد يكون التغليب لقُوَّة مَا يغلب وفضله كَمَا فِي (أَبَوَانِ) ؛ وَقد يكون لمُجَرّد كَونه مذكرا كَمَا فِي (القمرين) ؛ وَقد يكون لقلَّة حُرُوفه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُغَلب عَلَيْهِ كَمَا فِي (العمرين) ، وَقد يكون لكثرته كَمَا فِي قصَّة شُعَيْب وقصة لوط وقصة مَرْيَم وقصة آدم عَلَيْهِم السَّلَام "

ومدار التغليب على جعل بعض المفهومات تَابعا لبَعض، دَاخِلا تَحت حكمه فِي التَّعْبِير عَنْهُمَا

<<  <   >  >>