والإفادة أولى وَإِذا دَار اللَّفْظ بَينهمَا تعين الْحمل على التأسيس وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: لَو قَالَ لزوجته (أَنْت طَالِق طَالِق طَالِق) طلقت ثَلَاثًا، وَإِن قَالَ: عنيت التَّأْكِيد صدق ديانَة لَا قَضَاء
والتأكيد إِذا كَانَ ضميرا لَا يُؤَكد بِهِ إِلَّا مُضْمر، والفصل لَيْسَ كَذَلِك، بل يَقع بعد الظَّاهِر والمضمر
والتأكيد يُفِيد مَعَ التقوية نفي احْتِمَال الْمجَاز وَلَيْسَ كَذَلِك التَّابِع
وَالْحق أَن التَّابِع لَا يُفِيد التقوية اسْتِقْلَالا، بِخِلَافِهِ تَابعا وَلَعَلَّ مُرَاد الْبَيْضَاوِيّ هَذَا من قَوْله، إِذْ التَّابِع لَا يُفِيد وَالتَّابِع من شَرطه أَن يكون على زنة الْمَتْبُوع، والتأكيد لَا يكون كَذَلِك
والتأكيد: يرفع الْإِبْهَام عَن نفس الْمَتْبُوع فِي النِّسْبَة، وَيرْفَع أَيْضا إِبْهَام مَا عَسى يتَوَهَّم فِي النِّسْبَة
والتأكيد بِذكر مَا هُوَ كالعلة أقوى من التَّأْكِيد بالتكرار الْمُجَرّد
والتكرار إِعَادَة الشَّيْء، فعلا كَانَ أَو قولا، وَتَفْسِيره بِذكر الشَّيْء مرّة بعد أُخْرَى اصْطِلَاح
والتأكيد كَمَا يكون لإِزَالَة الشَّك وَنفي الْإِنْكَار مَعَ السَّامع كَذَلِك يكون لصدق الرَّغْبَة ووفور النشاط من الْمُتَكَلّم ونيل الرواج وَالْقَبُول من السَّامع، وَكَون الْخَبَر على خلاف مَا يترقب نَحْو: {رب إِن قومِي كذبون} و {رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} ، وتحسين إتْيَان ضمير الشَّأْن نَحْو: {إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ}
وَكَذَلِكَ ترك التَّأْكِيد فَإِنَّهُ كَمَا يكون لعدم الْإِنْكَار يكون أَيْضا لعدم الْبَاعِث والمحرك من جِهَة الْمُتَكَلّم، وَلعدم الرواج وَالْقَبُول من جِهَة السَّامع
وَقد يكون التَّأْكِيد لرد ظن الْمُتَكَلّم كَقَوْلِك: (أَحْسَنت إِلَيْهِ ثمَّ أَسَاءَ إِلَيّ) أَو لإِظْهَار كَمَال الْعِنَايَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّك لمن الْمُرْسلين} أَو كَمَال التضرع والابتهال نَحْو: {إننا آمنا} أَو كَمَال الْخَوْف نَحْو: {إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} إِلَى غير ذَلِك من الْمعَانِي الَّتِي تناسب التَّأْكِيد بِوَجْه خطابي
وَالشَّيْء إِمَّا أَن يُؤَكد بِنَفسِهِ وَيُسمى التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " لأغزون قُريْشًا " ثَلَاثًا، أَو يُؤَكد بِغَيْرِهِ وَيُسمى التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون تَأْكِيدًا للمفرد، وَهُوَ الْمُقَابل للجملة، سَوَاء كَانَ تَأْكِيدًا للْوَاحِد مذكرا أَو مؤنثا، كَلَفْظِ النَّفس وَالْعين، أَو تَأْكِيدًا لتثنية الْمُذكر أَو الْمُؤَنَّث، كلفظة (كل) و (أَجْمَعِينَ) وأخواته؛ وَإِمَّا أَن يكون تَأْكِيدًا للجملة كلفظة (إِن) وَأَخَوَاتهَا
والفصل بَين المعطوفين يقوم مقَام التَّأْكِيد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لقد كُنْتُم أَنْتُم وآباؤكم فِي ضلال مُبين} و {مكروا مَكْرهمْ} ك {سعى لَهَا سعيها} يحْتَمل التَّأْكِيد وَالنَّوْع و (جَلَست