الله جلّ وعزّ: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البَقَرَة: ١٩٦) وَالْفرق بَين الحجّ وَالْعمْرَة أَن الْعمرَة تكون فِي السّنة كلهَا، والحجّ لَا يجوز أَن يُحْرَم بِهِ إلاّ فِي أشهر الحجّ: شوّال وَذي الْقعدَة وعَشْر من ذِي الحجَّة. وَتَمام الْعمرَة أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمرة، والحجّ لَا يكون إِلَّا مَعَ الْوُقُوف بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة. وَالْعمْرَة مَأْخُوذَة من الاعتمار وَهُوَ الزِّيَارَة. يُقَال: أَتَانَا فلَان مُعْتَمِرًا أَي زَائِرًا. وَمِنْه قَوْله:
وراكبٌ جَاءَ من تَثْليث معتمرُ
وَيُقَال الاعتمار: الْقَصْد، وَقَالَ:
لقد سما ابْن معمر حِين اعْتَمر
الْمَعْنى: حِين قصد مغزًى بَعيدا. وَقيل: إِنَّمَا قيل للمُحْرِم بِالْعُمْرَةِ: معتمِر لِأَنَّهُ قصد لعمل فِي مَوضِع عَامر، فَلهَذَا قيل: معتمِر. وَمَكَان عَامر: ذُو عمَارَة. وَيُقَال لساكن الدَّار: عَامر والجميع عُمَّار.
أَبُو عُبَيْدَة عَن الأصمعيّ: عَمِر الرجلُ يَعْمَر عَمَراً أَي عَاشَ. وعَمَر فلَان بَيْتا يَعْمُره. وَأنْشد مُحَمَّد بن سَلَاّم كلمة جرير:
لَئِن عَمِرَت تَيْم زَمَانا بِغِرّة
لقد حُدِيت تَيمٌ حُدَاء عَصَبْصَبا
وَقَالَ اللحياني: دَار معمورة: يسكنهَا الجِنّ. وَيُقَال عَمرَ مالُ فلَان يَعْمَر إِذا كثر. وأتيت أَرض بني فلَان فأعمرتها أَي وَجدتهَا عامرة. المَعْمَر: الَّذِي يُقَام بِهِ. وَقَالَ طرفَة:
يَا لكِ من قُبَّرة بمَعْمَر
وَقَالَ آخر:
يَبْغينك فِي الأَرْض مَعْمَرا
أَي منزلا. وَقَالَ اللَّيْث: العَمْر: ضرب من النّخل، وَهُوَ السَحُوق الطَّوِيل.
قلت: غلِط اللَّيْث فِي تَفْسِير العَمْر، والعُمْر: نخل السُكّر يُقَال لَهُ: العُمْر، وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الْبَحْرين. وَأنْشد الرياشيّ فِي صفة حَائِط نخل:
أَسْود كالليل تدجَّى أخضرُهْ
مخالط تعضوضُه وعُمُرُهْ
بَرْنيَّ عَيْدَانٍ قَلِيلا قَشَرُهْ
والعَضوض: ضرب من التَمر سَرِيّ. وَهُوَ من خير تُمْران هَجَر، أسود عَذْب الْحَلَاوَة. والعُمْر: نخل السُكّر، سَحُوقاً كَانَ أَو غير سَحوق. وَكَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد من أعلم النَّاس بالنخيل وألوانه. وَلَو كَانَ الْكتاب من تأليفه مَا فسّر الْعُمر هَذَا التَّفْسِير. وَقد أكلت أَنا رُطَب العُمْر ورُطَب التعضوض وخَرَفتهما من صغَار النّخل وعَيْدانها وجَبّارها. وَلَوْلَا الْمُشَاهدَة لَكُنْت أحد المغترّين بالليث وخليلِه وَهُوَ لِسَانه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال رجل عَمَّار إِذا كَانَ كثِير الصَّلَاة كثِير الصّيام. وَرجل عَمَّار مُوَقًّى مَسْتُور، مَأْخُوذ من العَمَر وَهُوَ المِنديل أَو غَيره تغطِّي بِهِ الحُرَّة رَأسهَا، وَرجل عمَّار وَهُوَ الرجل القويّ الْإِيمَان الثَّابِت فِي أمره الثخين الوَرَع، مَأْخُوذ من العَمِير، وَهُوَ الثَّوْب الصفيق النسِيج القويّ الغَزْلِ الصبور على الْعَمَل. قَالَ: والعَمَّار الزيْن فِي الْمجَالِس مَأْخُوذ