للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ} (النَّمْل: ٦٥، ٦٦) قَرَأَ شيبةُ ونافعٌ (بَلِ ادَّارَكَ) وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو، وَهِي قراءةُ مجاهدٍ، وَأبي جَعْفَر الْمدنِي (بَلْ أدْرَكَ) .

ورُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ (بلَى أأدرك علمهمْ) يستفهمُ وَلَا يشدِّدُ، فَأَما قراءةُ من قَرَأَ (بَلِ ادَّارَكَ) فإِن الفرّاء قَالَ مَعْنَاهُ: لُغةً تداركَ أَي تتابعَ علمهمْ فِي الْآخِرَة يُريد بِعلم الْآخِرَة: تكونُ أَو لَا تكونُ، وَلذَلِك قَالَ: {الَاْخِرَةِ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا} (النَّمْل: ٦٦) .

قَالَ وَهِي فِي قِرَاءَة أُبيَ (أمْ تَدَارَكَ) . وَالْعرب تجْعَل بلْ مَكَان أمْ، وأمْ مَكَان بل إِذا كَانَ فِي أوَّلِ الكلمةِ اسْتِفْهَام مثل قَول الشَّاعِر:

فواللَّهِ مَا أَدْرِي أسَلْمَى تَغَوَّلَتْ

أمِ النّوْمُ أَمْ كلٌّ إليَّ حبيبُ

معنى أَمْ بَلْ.

وَقَالَ أَبُو معَاذ النحويُّ من قَرَأَ (بَلْ أَدْرَكَ) وَمن قَرَأَ (بَلِ ادّارَكَ) فمعناهما وَاحِد، يَقُول: هم علماءُ فِي الْآخِرَة كَقَوْل الله جلّ وعزّ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} (مَرْيَم: ٣٨) . وَنَحْو ذَلِك.

قَالَ السُّدِّي فِي تَفْسِيره قَالَ اجْتمع علمهمْ يَوْم الْقِيَامَة فَلم يشكّوا وَلم يَخْتَلِفُوا.

ورَوَى ابْن الفرجِ عَن أبي سعيدٍ الضَّرِيرِ أَنه قَالَ أما أَنا فأقرأ (بلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخرةِ) ، وَمَعْنَاهُ عِنْده أَنهم علمُوا فِي الْآخِرَة أَن الَّذِي كَانُوا يوعدونَ حقٌّ.

وَأنْشد الأخطل:

وأَدْرك عِلمي فِي سُوَاءَةَ أَنَّهَا

تُقيمُ على الأوْتار والمَشْربِ الكَدْرِ

أَي أحَاط علمي أَنَّهَا كَذَلِك.

قَالَ: والقولُ فِي تَفْسِير أَدْرَكَ وادّارَك، وَمعنى الْآيَة مَا قَالَه السُّدِّي، وَذهب إِلَيْهِ أَبُو معَاذ النحويُّ وَأَبُو سعيد الضريرُ، وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ الفرَّاء فِي معنى تدارك أَي تتَابع علمهمْ بالحَدْسِ والظّنِّ فِي الآخرةِ أَنَّهَا تكون أَو لَا تكونُ لَيْسَ بالبَيِّن، إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن عِلمهم فِي الآخرةِ تواطأَ وحَقَّ حِين حقّتِ الْقِيَامَة وحُشِرُوا وَبَان لَهُم صدقُ مَا وُعِدُوا بِهِ حِين لَا يَنْفَعهُمْ ذَلِك الْعلم ثمَّ قَالَ جلّ وعزّ: بل هم فِي شكّ من أَمر الْآخِرَة بل هم مِنْهَا عمون أَي جاهلون.

والشّكُّ فِي أَمر الْآخِرَة: كفرٌ.

وَقَالَ شمر فِي قَوْله: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخرةِ) هَذِه الكلمةُ فِيهَا أشياءُ، وَذَلِكَ أنّا وجَدْنا الْفِعْل اللَّازِم والمتعدِّي فِيهَا فِي أفعل وتفاعَل وافتعل وَاحِدًا، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول: أَدْرَكَ الشيءُ وأدركته، وتداركَ القومُ وادّارَكُوا وادّرَكُوا إِذا أدْرَكَ بَعضهم بَعْضًا.

وَيُقَال: تداركته وادّارَكْتُهُ وادّرَكْتُهُ. وَأنْشد:

... مَجُّ النّدَى المُتَدَارِكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>