للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمر الصدقة وتمر يقتات منه أهله، فلم يدر عليه الصلاة والسلام كما أي النوعين مما فأمسك عن أكلها، وهذا الحديث أصل في الورع واتقاء الشبهات. (وأما أمره) لمن شك في صلاته بالبناء على اليقين فلأنه لا تبرأ ذمته بالشك.

(وصفوة القول) خير الأمر أوسطه، ودين الله الذى ارتضاه لعباده ما كان بين الإفراط والتفريط والغلو والتقصير، ومن تعود الاحتياط الممدوح تراه يحبه في كل

باب من أبواب العبادة، فلا يوقعها إلا على الوجه المتفق عليه ولا يجاوز فيها طريقة السلف. عن أبى الوفاء بن عقيل أن رجلًا قال له: أنغمس في الماء مرارًا كثيرة وأشك هل صح الغسل أم لا، فما ترى في ذلك؟ فقال له: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، قال: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبى حتى ييلغ" رواه أحمد والأربعة، ومن ينغمس في الماء مرارًا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون، وقد ورد في الأثر بإفادة بدعة الوسواس في استعمال الماء فقال: "يجزئ من الوضوء مد، والغسل صاع، وسيأتى قوم يستقلون ذلك، فأولئك خلاف أهل سنتى، والآخذ بسنتى في حظيرة القدس متنزه أهل الجنة".

ومن مفاسد الوسوسة أن يشغل ذمته بالزائد على قدر حاجته إذا كان الماء مملوكًا لغيره كماء الحمام، فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد على حاجته، وهو عن ذلك مسئول في البرزخ ويوم القيامة. ومن ضروب الوسوسة ما يكون من الكثير منهم: يحرم بالصلاة ثم يسلم ويحرم، وهكذا فهو دائر بين حرامين؛ لأن الصلاة إن كانت قد صحت حرم الخروج منها، وإلا حرم عليه التسليم لأنَّه تلبس بعبادة فاسدة، وقبيح جدًّا ما يكون من الموسوسين عند تكبيرة الإحرام ترى الواحد منهم يزعج أعضاءه ويحرك رأسه ويرعش يديه وتنتفخ أوداجه ويصرخ بالتكبير كأنه يكبر على العدو. نعوذ بالله من الخبال.

وهذا وأمثاله ممَّا جعله الشيطان شركًا لأهل الوسواس، يحبسهم عنده ويعذبهم فيه، ويوقعهم في طلب تصحيح الصلاة وليس من الصلاة في شيء، ولو أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء الموسوسين لمقتهم، ولو

<<  <   >  >>