للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر منه قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (١)، والنصح قريب منها فهو أن تسترعى من تشفق عليه لأمر يرجى نفعه أو تصرفه عن عمل يخشى ضره.

طلبوا منه صلى الله عليه وآله وسلم وصية جامعة لمهمات الدين والدنيا لظنهم مفارقته لهم، فالفاء للتفريع على ما قبلها وفيه استحباب استدعاء الوصية، والنصح من أهله واغتنام أوقات أهل الخير والدين قبل فواتها، قال: "أوصيكم بتقوى اللَّه" لأن بها سعادة الدارين؛ لأنها امتثال الأوامر واجتناب النواهى، وتكاليف الشرع لا تخرج عن ذلك. ولذا أوصى الله بها الأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (٢) "والسمع والطاعة" لولاة الأمور، عبر بالسمع عن قبول المسموع؛ لأنَّه فائدته، أي اقبلوا منهم وامتثلوا أوامرهم من في غير إثم وهو من عطف الخاص على العام لمزيد التأكيد والاعتناء بشأنه وحكمته ترتب المبالغة الآتية عليه " وإن تَأَمَّرَ عليكم عبد " وللبخاري "حبشي وإن رأسه زبيبة" أي وإن صار أميرًا عليكم من ليس أهلًا للإمارة عبدًا كان أو غيره ما لم يكن كافرًا، فالعبد مثال، وهذا غاية في طلب السمع والطاعة لولاة الأمور، ثم هو إما من باب الفرض والتقدير أو التنبؤ بالغيب وأن الأمة تتأخر في أمر دينها ويضعف تمسكها به حتى توضع الولايات في غير أهلها، والأمر بالطاعة حينئذ إيثار لأهون الضررين: طاعة من لا يصلح للولاية ومخالفته: إذ الصبر على من لا يصلح للولاية أخف من إثارة الفتن، ويرشد إلى هذا الثانى التعقيب بقوله: "فإنه": أي الحال والشأن "من يعش منكم" بعدى " فسيرى اختلافًا كثيرًا " بين الناس بظهور الفتن والبدع، والظاهر أن هذا بوحى أوحى إليه، ويجوز أن يكون بقياس أُمته على أُم الأنبياء السابقين، ولم تكن نبوة إلَّا كان بعدها اختلاف، وقد كان ذلك فهو من معجزاته إذ أخبر عن غيب وقع. وفى التعبير بالسين دلالة على قرب الرؤية. وكان الأمر كذلك فظهرت فتنة عثمان وواقعة الجمل ومحاربة معاوية لعلى، ومحاربته للحسن فسلم الأمر إليه حقنًا لدماء المسلمين وظهر أعظم الفتن

وهى قتلة الحسين رضي الله عنه وما إلى ذلك مما فيه المسلمون إلى اليوم.

" فعليكم بسنتى ": جواب شرط مقدر، أي فإذا رأيتم هذا الاختلاف


(١) [سورة النساء: الآية ١١].
(٢) [سورة النساء: الآية ١٣١].

<<  <   >  >>