للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وها أنا أورد بعض نصوصهم، ثم أعقبها بالتلخيص والمناقشة:

قال السَّرَخْسِيُّ رحمه الله: «وإنْ بايعهم المستأمَن إليهم الدِّرهم بالدِّرهمين نقدًا أو نسيئةً، أو بايعهم في الخمر والخنزير والميتة؛ فلا بأسَ بذلك في قول أبي حنيفة ومحمَّدٍ رحمهما الله تعالى. ولا يجوز شيءٌ من ذلك في قول أبي يوسف رحمه الله (١)؛ لأنَّ المسلم ملتزم أحكام الإسلام حيثُما يكون، ومن حكم الإسلام حرمةُ هذا النوع من المعاملة، ألا ترى أنه لو فعله مع المستأمَنين منهم في دارنا لم يجزْ فكذلك في دار الحرب. وهُمَا يقولان: هذا أخذ مال الكافر بطِيبَةِ نفسه. ومعنى هذا: أنَّ أموالهم على أصل الإباحة، إلا أنه ضمِنَ أن لا يخونهم فهو يسترضيهم بهذه الأسباب للتحرُّز عن الغدر، ثم يأخذ أموالهم بأصل الإباحة، لا باعتبار العقد، وبه فارَقَ المستأمنين في دارنا؛ لأنَّ أموالَهم صارتْ معصومةً بعقد الأمان، فلا يمكنه أخذُها بحكم الإباحة، والأخذُ بهذه العقود الباطلة حرامٌ». (٢)


(١) أبو حنيفة: هو النُّعمان بن ثابت الكوفي (ت: ١٥٠/ ٧٦٧): الإمام الفقيه صاحب المذهب، عُرف بذكائه وتعمُّقه في بحث المسائل الفقهية ومناقشتها في حلقاته العلمية، فتخرَّج عليه كثير من التلاميذ، من أشهرهم: أبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وزُفَر بن الهذيل (ت: ١٥٨/ ٧٧٥)، فانتشرت آراؤه واتُّبع مذهبه في كثير من البلاد. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (٦/ ٣٩٠:١٦٣).
ومحمد: هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقَد الشَّيبانيُّ (ت: ١٨٩/ ٨٠٤): إمام بالفقه والأصول، من تلاميذ أبي حنيفة وهو الذي نشر علمه. من كتبه: «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير»، و «الآثار»، و «الحجة على أهل المدينة». مترجم في «سير أعلام النبلاء» (٩/ ١٣٤:٤٥).
وأبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي البغدادي (ت: ١٨٢/ ٧٩٨): صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيهًا علامة، من حفاظ الحديث. وَلِيَ القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد. من كتبه «الخراج» و «الآثار». مترجم في: «سير أعلام النبلاء» (٨/ ٥٣٥:١٤١).
(٢) «المبسوط» (١٠/ ٩٥)، وبحَثَ المسألةَ بأدلتها في: (١٤/ ٥٦) منه.

<<  <   >  >>