للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الكاسانيُّ رحمه الله (١): «وأما شرائط جريان الرِّبا: فمنها: أن يكون البَدَلان معصُومين، فإن كان أحدهما غير معصومٍ لا يتحقَّق الرِّبا عندنا. (٢) وعند أبي يوسفٍ: هذا ليس بشرطٍ، ويتحقَّق الربا.

وعلى هذا الأصل يُخرَّج ما إذا دخل مسلمٌ دار الحرب تاجرًا، فباع حربيًّا درهمًا بدرهمين ـ أو غير ذلك من سائر البيوع الفاسدة في حكم الإسلام (٣) ـ: أنه يجوز عند أبي حنيفة ومحمدٍ. وعند أبي يوسف: لا يجوز.

وعلى هذا الخلافِ: المسلمُ الأسيرُ في دار الحرب أو الحربيُّ الذي أسلم هناك، ولم يهاجر إلينا فبايع أحدًا من أهل الحرب.

وَجْهُ قول أبي يوسف: أنَّ حرمة الربا كما هي ثابتةٌ في حقِّ المسلمين فهي ثابتةٌ في حقِّ الكفَّار؛ لأنَّهم مخاطبون بالحُرُمات في الصَّحيح من الأقوال (٤)، فاشتراطه في البيع يوجب فسادَه، كما إذا بايع المسلمُ الحربيَّ المستأمَنَ في دار الإسلام.


(١) علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني ـ أو: الكاشاني ـ الحلبيُّ (ت: ٥٨٧/ ١١٩١): عالم فقيه حنفيٌّ بارز، يعدُّ كتابه الكبير «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» من المصادر المهمة للفقه الحنفي. مترجم في «الأعلام» (٢/ ٧٠).
(٢) يقصد عند أبي حنيفة وعامَّة أصحابه، وهو المعتمد في مذهبهم، خلافًا لأبي يوسف القاضي.
(٣) مثل أن يبيع المسلمُ للحربيِّ الخنزيرَ أو الميتة أو الدم.
(٤) يعني: أنَّ الكفَّار مخاطبون بالأحكام الشرعية التفصيلية، فإذا علموا بدين الإسلام وقامت عليهم الحجةُ به؛ يحاسبون على ترك الواجبات، وارتكاب المحرَّمات، كما يحاسبون على ترك أصل الإسلام، وإن كانت العبادات لا تصحُّ منهم إلا بالإيمان، مثلما أنَّ الجُنُبَ من المسلمين مخاطبٌ بإقامة الصَّلاة التي دخل وقتها، ومحاسب على تركها، وإن كانت لا تصحُّ منه إلا بعد أن يتطهَّر. وهذا هو القول الصحيح في هذه المسألة، وهو مذهب أكثر العلماء.
انظر: «الإحكام في أصول الأحكام» (٥/ ٧١٦)، و «المستصفى من علم الأصول» (١/ ١٧١)، و «روضة النَّاظر» (١/ ١٧٠)، و «البحر المحيط» (١/ ٣٩٧).

<<  <   >  >>