والأدلة من الكتاب والسنة على هذا الأصل كثيرةٌ جدًّا، وهو ـ في الجملة ـ أمرٌ معلومٌ من دين الإسلام بالضَّرورة، فكلُّ من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا ورسولاً؛ يعلم ـ علمَ يقينٍ ـ أنَّه مكلَّفٌ بدين الله تعالى وشرعه في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وعلى أحواله كلِّها، في خاصَّة نفسه ومع النَّاس جميعًا، ومن هنا قال الإمام الشافعيُّ رحمه الله:«ومِمَّا يعقِلُه المسلمون، ويجتمعون عليه: أنَّ الحلالَ في دار الإسلام حلالٌ في بلاد الكفر، والحرامَ في بلاد الإسلام حرامٌ في بلاد الكفر، فمن أصاب حرامًا فقد حدَّه الله على ما شاء منه، ولا تضعُ عنه بلادُ الكفر شيئًا». (١)
تحقيق القول في مذهب الحنفية في إباحة الربَّا وغيره في دار الحرب
وبعد تقرير ما تقدَّم؛ لا بدَّ أن نحقِّق القول في مسألة إباحة الحنفيَّة لبعض المعاملات المالية المحرَّمة للمسلم المقيم في بلاد الكفَّار، فإنَّ بعض من رقَّ دينهم، وتمكَّن حبُّ الدنيا من قلوبهم فجعلوا تتبُّع الرُّخص والأقوال الشاذَّة ديدنهم؛ قد استخرجوا رأي الحنفيَّة من بطون الكتب، واستعملوه على غير وجهه، واستغلوه أسوأ استغلال، فأفتوا من أقام من المسلمين في بلاد الكفَّار بجواز معاملتهم بالربَّا المحرَّم! فأقول ـ وبالله تعالى التوفيق ـ:
على الباحث المنصف أن ينظر أولاً في كلام الحنفيَّة في هذه المسألة، ثم يجتهد في فهمها وَفْقَ مقصِدهم ومرادهم، لينتهي بذلك إلى التصور الصحيح، والحكم العادل.