للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن دلائل هذا الأصل قولُه تعالى ـ في بني قريظةَ الذين نقضوا العهدَ، وناصروا الأحزابَ على المسلمين، فأمر الله عزَّ وجلَّ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بمقاتلتهم لغدرهم وخيانتهم ـ: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: ٢٦ - ٢٧]؛ فأضاف الله تعالى الأرضَ والدِّيارَ والأموالَ إليهم، وأخبر أنَّه سبحانَه قد ورَّثها المسلمينَ نتيجةً لتلك الحرب.

قال الإمام الشَّافعيُّ رحمه الله: «إذا كاتبَ الحربيُّ عبدَه في دار الحرب، ثم خرَجَا مستأمَنَيْن؛ أُثبتُ الكتابة بينهما، إلا أن يكون السيِّدُ أحدثَ لعبده قهرًا على استعباده وإبطال كتابته، فإِنْ فَعَلَ؛ فالكتابةُ باطلة». (١) فقال العلامة الماورديُّ في شرحه: «وهذا كما قال، وأصلُ ذلك أنَّ أهل الحرب يملكون ملكًا صحيحًا عند الشافعيِّ. وقال مالكٌ: لا يملكون. وقال أبو حنيفة: يملكون ملكًا ضعيفًا. وفي قول الله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}؛ دليلٌ كافٍ، لأنَّه أضاف ذلك إليهم إضافةَ مِلْكٍ تامٍّ». (٢)

وقال الماورديُّ ـ أيضًا ـ: «الكافرُ صحيحُ المِلْكِ كالمسلم لقول الله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}؛ فأضافَها إليهم إضافةَ مِلْكٍ». (٣)

وقال الإمام ابن حزمٍ رحمه الله: «وما وهَبَ أهلُ الحرب للمسلمِ الرَّسولِ إليهم، أو التَّاجرِ عندهم؛ فهو حلالٌ، وهِبَةٌ صحيحةٌ، ما لم يكن مالَ مسلمٍ أو ذمِّيٍّ،


(١) «الأم» (٨/ ٣٧)، وط: دار الوفاء (٩/ ٣٥٦).
(٢) «الحاوي الكبير» (١٨/ ٢٥٧)، ومن الواضح أن كلام الشافعي وشرح الماوردي رحمهما الله متعلِّق بالكفار الحربيِّين، أما الكفَّار المسالمون فبالأولى يثبت لهم ملكهم وصحة تصرفهم فيه.
(٣) «الحاوي الكبير» (١٨/ ١٣٤).

<<  <   >  >>