للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيِّم رحمه الله (١): «في قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للمغيرة: «أما الإسلامُ فأقبل، وأما المال فلست منه في شيءٍ»؛ دليلٌ على أن مال المشرك المعاهد معصومٌ، وأنه لا يُملَكُ، بل يردُّ عليه، فإنَّ المغيرة كان قد صحبهم على الأمان، ثم غدر بهم، وأخذ أموالهم، فلم يتعرَّض النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأموالهم، ولا ذبَّ عنها، ولا ضمِنَها لهم؛ لأنَّ ذلك كان قبل إسلام المغيرة». (٢)

وقال ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وأمَّا المالُ فلست منه في شيءٍ». أي: لا أتعرَّض له، لكونه أخذه غدرًا، ويستفاد منه: أنه لا يحلُّ أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرًا، لأنَّ الرِّفْقةَ يُصطَحَبون على الأمانة، والأمانة تؤدَّى إلى أهلها مسلمًا كان أو كافرًا، وأن أموال الكفار إنما تحلُّ بالمحاربة والمغالبة (٣)، ولعل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ترك المال في يده لإمكان أن يُسلم قومُه، فيردَّ إليهم أموالَهم. ويستفاد من القصة: أنَّ الحربيَّ إذا أتلف مالَ الحربيِّ لم يكن عليه ضمانٌ، وهذا أحدُ الوجهين للشافعية». (٤)


(١) العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، الشهير بابن قيم الجوزية (ت: ٧٥١/ ١٣٥٠) من أركان الإصلاح الإسلامي، وأحد الأئمة السائرين على منهج السلف، مولده ووفاته في دمشق، تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وترك مصنَّفات قيِّمة تميَّزت بالعلم المحقَّق، منها: «إعلام الموقعين» و «شفاء العليل»، و «الصواعق المحرقة»، و «أحكام أهل الذمة»، و «مدارج السالكين»، وغيرها كثير. مترجم في «الأعلام» (٦/ ٥٦).
(٢) «زاد المعاد في هدي خير العباد» (٣/ ٣٠٤).
(٣) تأمل هذا الكلام، وما فيه من التفريق بين الأمرين، ففي هذه الجملة أن أموالهم لا تحلُّ إلا بالمحاربة، وفي التي قبلها منع الغدر والخيانة.
(٤) «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (٥/ ٤١٨:٢٧٣١).

<<  <   >  >>