للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك ما ابتاعه المسلمُ منهم فهو ابتياعٌ صحيحٌ؛ ما لم يكن مالاً لمسلمٍ أو ذميٍّ، لأنَّهم مالكون لأموالِهم ـ ما لم ينتزِعْها المسلمُ منهم ـ بقول الله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}؛ فجعلَها الله تعالى لهم إلى أَنْ أورَثَنا إيَّاها، والتَّوريثُ لا يكون إلا بالأَخذ والتَّملُّك، وإلا فلم يورِّث بعدَما لم تقدِرْ أيدينا عليه، وإنَّما جعل الله تعالى أموالَهم للغانم لها، لا لكلِّ مَنْ لم يغنمها». (١)

وقال الإمام ابنُ قدامة المقدسيُّ رحمه الله: «وإنْ أعتق حربيٌّ حربيًّا، فله عليه الولاءُ؛ لأنَّ الولاء مُشَبَّهٌ بالنَّسَب، والنَّسب ثابتٌ بين أهل الحرب، فكذلك الولاءُ. وهذا قولُ عامَّة أهل العلم، إلا أهل العراق، فإنَّهم قالوا: العتق في دار الحرب والكتابة والتَّدبير لا يصحُّ، ولو استولَدَ أمَتَه، لم تصرْ أُمَّ وَلَدٍ؛ مسلمًا كان السيدُ أو ذميًّا أو حربيًّا. ولنا: أنَّ ملكهم ثابتٌ بدليل قول الله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} فنسبَها إليهم، فصحَّ عتقهم كأهل الإسلام، وإذا صحَّ عتقهم ثبَتَ الولاءُ لهم؛ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «الوَلاءُ لمَنْ أَعتَقَ». (٢) فإنْ جاءَنا المعتَقُ مسلمًا، فالولاءُ بحاله» (٣).

وقال ابنُ قدامة ـ أيضًا ـ: «وإنْ كاتب الحربيُّ عبدَه؛ صحَّت كتابتُه،


(١) «المحلَّى بالآثار» (٧/ ٣٠٩:٩٣٦).
وقوله: (للغانم لها) قيدٌ مهمٌ، فالغنيمة لا تكون إلا في الحرب، وللحرب شروط وأحكام، وساحة وميدان. فإذا وضعت الحرب أوزارها؛ فلا بدَّ للناس من ضوابط أخلاقية يتعايشون بها، وإن كانت في نفوسهم عداوة وبغضاء.
(٢) أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (٤٥٦)، ومسلم في «الصحيح» (١٥٠٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.
«الولاءُ»: يطلق على الملك والقرب والقرابة والنصرة والمحبة. والمقصود هنا: أنَّ من أنعم على عبده بالحريَّة يكون عصَبةً له وكأنَّه يتَّصل به بالنَّسب، فللسيِّد ميراثُ عتيقه إن مات ولم يُخلِّف وارثًا سواه. انظر: «المغني» (٩/ ٢١٤)، و «بداية المجتهد» (٤/ ١٥٩٤).
(٣) «المغني» (٩/ ٢١٨:١٠٥٠).

<<  <   >  >>