للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابنُ بطَّال رحمه الله: «غرض البخاريِّ في هذا الباب ـ والله أعلم ـ إثبات مِلْك الحربيِّ والمشرك، وجواز تصرُّفه في مِلْكه بالبيع والهبة والعتق، وجميع ضروب التَّصرف؛ إذ قد أقرَّ النبيُّ عليه السلام سلمانَ عند مالكه من الكفَّار، فلم يُزِل ملكه عنه، وأمره أن يكاتِبَ، وقد كان حرًّا وأنَّهم ظلموه وباعوه، ولم ينقض ذلك مِلْكَ مالكه، وكذلك كان أمرُ عمَّارٍ وصهيبٍ وبلالٍ، باعهم مالكوهم الكفار من المسلمين، واستحقُّوا أثمانَهم وصارت مِلْكًا لهم، ألا ترى أنَّ إبراهيم عليه السلام قَبِلَ هبةَ المَلِكِ الكافر، وأنَّ عبدَ بنَ زمعة قال للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هذا ابنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ على فراشه. فأثبتَ لأبيه أمَةً ومِلْكًا عليه في الجاهلية، فلم ينكر ذلك النبيُّ عليه السلام، وسماعه الخصامَ في ذلك دليلٌ على تنفيذ عهد المشرك، والحكم له إنْ تحوكم فيه إلى المسلمين، وكذلك جوَّزَ عليه السلام عِتْقَ حَكيمِ بن حزامٍ وصدقَتَه في الجاهلية». (١)

وقال ابن حجر رحمه الله: «موضع الترجمة من الآية قوله تعالى: {عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [النَّحل: ٧١]؛ فأثبت لهم مِلْكَ اليمين، مع كون ملكهم غالبًا كان على غير الأوضاع الشرعية. وقال ابنُ المنَيِّر: مقصودُه صحة ملك الحربيِّ، وملك المسلم عنه. والمخاطب في الآية المشركون، والتَّوبيخ الذي وقع لهم بالنسبة إلى ما عاملوا به أصنامهم من التعظيم، ولم يعاملوا ربَّهم بذلك، وليس هذا من غرض هذا الباب». (٢)

وفي حديث صُلح الحديبية: أنَّ المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه كان صحِبَ قومًا في الجاهلية، فقتَلَهم، وأخذ أموالَهم، ثم جاء فأسلَم؛ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّا الإسلامُ فأَقْبَلُ، وأما المالُ فلستُ منه في شيءٍ» (٣).


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٦/ ٣٤٢).
(٢) «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (٤/ ٥٢٠).
(٣) أخرجه أحمد في «المسند» (٤/ ٣٢٨:١٨٩٢٩)، والبخاري في «الصحيح» (٢٧٣١)، وابن حبَّان في «الصحيح» (٤٨٧٢).
وأخرجه أبو داود في «السنن» (٢٧٦٥) ولفظه: «أَمَّا الإِسلامُ فَقَدْ قَبِلْنَا، وأَمَّا المالُ فإنَّهُ مالُ غَدْرٍ؛ لا حاجةَ لَنَا فيه».

<<  <   >  >>