للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخذ مالَهم، وأخرجه إلى دار الإسلام؛ كرِهْتُ للمسلم شراءَه منه إذا علم ذلك؛ لأنَّه حصَّلَه بكسبٍ خبيثٍ، وفي الشراء منه إغراءٌ له على مثل هذا السَّبب، وهو مكروهٌ للمسلم، والأصلُ فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين قتل أصحابَه، وجاء بمالِهم إلى المدينة فأسلَم، وطلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُخمِّس مالَه، فقال: «أمَّا إِسلامُكَ فمقبولٌ، وأمَّا مالُكَ فمالُ غَدْرٍ فلا حاجةَ لنا فيه».». (١)

وقال السرخسيُّ ـ أيضًا ـ: «ولو أنَّ رسولاً لإمام المسلمين دخَلَ إليهم فأخذ متاعًا من متاعهم غَصْبًا، أو رقيقًا، وأخرجه إلى عسكر المسلمين في دار الحرب، أخذَه الأميرُ وردَّه على أهله، لأنَّ الرَّسولَ فيهم كالمستأمَن». (٢)

وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله (٣): «من دخل إلى أرض العدوِّ بأمانٍ لم يخُنْهُم في مالهم، ولم يعاملهم بالرِّبا. أمَّا تحريم الرِّبا في دار الحرب؛ فقد ذكرناه في بابِ الرِّبا (٤)، مع أنَّ قولَ الله تعالى: {وحرَّم الربا} [البقرة: ٢٧٥]، وسائرَ الآياتِ والأخبارَ الدَّالة على تحريم الرِّبا عامَّةٌ، تتناولُ الرِّبا في كلِّ مكانٍ وزمانٍ. وأمَّا خيانَتَهُم فمحرَّمةٌ؛ لأنَّهم إنما أعطوه الأمانَ مشروطًا بتركه خيانتَهم، وأمْنِه إيَّاهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورًا في اللَّفظ، فهو معلومٌ في المعنَى، ولذلك من جاءَنا منهم بأمانٍ فخاننا؛ كان ناقضًا


(١) «المبسوط» (١٠/ ٩٦). وسيأتي ذكر حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(٢) «شرح السير الكبير» (٤/ ١١٣٧).
(٣) أبو محمد موفَّق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي (ت: ٦٢٠/ ١٢٢٣): من أئمة الحنابلة، محدث وفقيه موسوعي، قال ابن تيمية في حقِّه: «ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة». له كتب كثيرة أشهرها: «المغني» و «الكافي» في الفقه، و «روضة الناظر وجنة المناظر» في أصول الفقه. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (٢٢/ ١٦٥:١١٢).
(٤) سيأتي نقله عند بحثنا في مسألة الربا.

<<  <   >  >>