كتاب الدخول في أمان غير المسلمين وآثاره في الفقه الإسلامي

لعهده. فإذا ثبت هذا: لم تحلَّ له خيانَتُهم لأنَّه غدرٌ، ولا يصلحُ في ديننا الغدْرُ، وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - «المسلمونَ عند شُروطِهِم». (١) فإِنْ خانَهم، أو سرقَ منهم، أو اقترض شيئًا؛ وجَبَ عليه ردُّ ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابُه إلى دار الإسلام بأَمانٍ أو إِيمانٍ؛ ردَّه عليهم، وإلا بَعَثَ به إليهم، لأنَّه أخَذَه على وجهٍ مُحَرَّمٍ عليه أخذُه، فلزِمَه رَدُّه، كما لو أخَذَهُ من مالِ مسلمٍ». (٢)

وقال العلامة المَرْغينانيُّ رحمه الله (٣): «وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرًا؛ فلا يحلُّ له أن يتعرَّض لشيءٍ من أموالهم، ولا من دمائهم، لأنَّه ضمِنَ أنْ لا يتعرَّض لهم بالاسْتِئْمانِ، فالتَّعرُّض بعد ذلك يكون غدرًا، والغدر حرامٌ». (٤)

(١) أخرجه أبو داود في «السنن» (٣٥٩٤)، والدراقطنيُّ في «السنن» (٣/ ٢٧:٢٨٩٠)، والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٤٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال النَّوويُّ في «المجموع» (٩/ ٤٦٤): «رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ أو صحيحٍ». وذكره البخاريُّ في «الصحيح» (٣٧ - كتاب الإجارة، ١٤ - باب أجر السَّمْسرة) معلَّقًا بصيغة الجزم، وللحديث شواهد من حديث: عمرو بن عوف، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وغيرهم،. قال ابن حجر في «تغليق التَّعليق» (٣/ ٢٨١): «وكلُّها فيها مقالٌ، لكنْ حديثُ أبي هريرة أمثَلُها». وانظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن (٦/ ٥٥٢)، و «إرواء الغليل» للألباني (١٣٠٣).
(٢) «المغني» (١٣/ ١٥٢:١٦٧٤).
(٣) أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المَرْغِيناني (٥٩٣/ ١١٩٧): من أكابر فقهاء الحنفية، كان حافظًا مفسِّرًا محقِّقًا أديبًا، من المجتهدين. من تصانيفه «بداية المبتدئ» وشرحه: «الهداية في شرح البداية». مترجم في «سير أعلام النبلاء» (٢١/ ٢٣٢:١١٨).
(٤) «الهداية شرح البداية» (٢/ ١٥٢). وقد ردَّد فقهاء الحنفية هذا، فذكره: أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاسانيُّ (ت: ٥٨٧/ ١١٩١) في: «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (٥/ ٣٠١)، وعثمان بن علي الزيلعي (ت: ٧٤٣/ ١٣٤٣) في: «تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق» (٣/ ٢٦٦)، ومحمد بن محمد بن محمود البابرتي (ت: ٧٨٦/ ١٣٨٤) في: «العناية شرح الهداية» (٦/ ١٧)، وابن الهمام: محمد بن عبد الواحد السِّيواسيُّ (٨٦١/ ١٤٥٧) في: «فتح القدير» (٦/ ١٧)، وزين الدين ابن نجيم (٩٧٠/ ١٥٦٣) في: «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» (٥/ ١٠٨)، وابن عابدين الدمشقي (١٢٥٢/ ١٨٣٦) في: «ردِّ المحتار على الدرِّ المختار» (٤/ ١٦٦).