للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنَّه التزم الوفاءَ لهم بحسب ما يَفُونَ له؛ بخلاف الأَسير فيهم. ثُمَّ كما لا يجوز للمستأمن أن يقتلهم، أو يأخذ مالهم بغير رضاهم؛ لا يجوز له أن يأمر الأسيرَ بذلك، لأنَّ فعل المأمور من وجهٍ كأنَّه فعلُ الآمر». (١)

وقال السَّرخسيُّ ـ أيضًا ـ: «وإذا قتلَ المسلمُ المستأمَنُ في دار الحرب إنسانًا منهم، أو استهلكَ مالَه؛ لم يلزَمهم (٢) غُرْمُ ذلك إذا خرجوا، لأنَّهم لو فعلوا ذلك به لم يلزمهم غُرْمٌ؛ فكذلك إذا فُعِلَ بهم، وهذا لأنَّهم غير ملتزمين أحكامَ الإسلام في دار الحرب حيثُ جرَى ذلك بينهم (٣). وأَكرَهُ للمسلم المستأمَن إليهم في دِينِه أن يغدر بهم؛ لأنَّ الغدرَ حرامٌ (٤)؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لكلِّ غادرٍ لواءٌ، يُركَزُ عند بابِ اسْتِهِ يومَ القيامةِ، يُعرفُ به غَدْرَتُه» (٥). فإنْ غدر بهم،


(١) «شرح كتاب السِّير الكبير» (٥/ ١٨٦١).
(٢) يعني: تلك الجماعة من المسلمين الذين دخلوا دار الحرب بأمانٍ فقتل واحدٌ منهم إنسانًا من الحربيِّين أو أتلف ماله. لهذا انتقل إلى صيغة الجمع مع أنه بدأ بصيغة الإفراد.
(٣) مراد السرخسي بهذا: أن المسلم إذا ارتكب جرائم حال إقامته في أراضي الدولة المعادية، ثم رجع إلى الدولة الإسلامية؛ فإنَّ الأخيرة لا تكون في هذه الحالة ملزمة بتحمُّل تبعات التصرفات الشخصيَّة لذلك المسلم، ذلك لأنَّ العلاقة بين الدولتين هي علاقة حرب وعداء، والمسلم إنَّما دخل أراضيَ الدولة المعادية بعهدٍ متعلِّق بخاصة نفسه، وهو وحده يتحمل تبعات الغدر به، لهذا بدأ السرخسيُّ بعد هذا مباشرةً ببيان الواجب الدينيِّ على المسلم، وإن كان خارجًا عن سيطرة وسلطان الدولة الإسلامية.
(٤) قوله: «الغدر حرام» يُبيِّن المراد من قوله: «وأكره»، فهو كراهةُ تحريمٍ جازمٍ. وكذلك قوله الآتي: «كرهت للمسلم».
(٥) أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٣٥:١١٣٠٣)، ومسلم في «الصحيح» (١٧٣٨)، وأبو يعلى في المسند (١٢٤٥)، ولم أجد عندهم لفظ: «باب» لكنَّه وقع في رواية الكلاباذي الحنفي في «بحر الفوائد» (٣٠٤). ومعنى: «عند استه» أي: تحت مقعدته.

<<  <   >  >>