للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس بإمكاني تفصيل القول فيما يتعلق بهذه الآراء من أدلة وبحوث ومناقشات، فهذا خارج عن غرض هذا الكتاب، لكنِّي أذكر ما يترجَّح عندي منها، وهو القول الثالث، فأقول ـ وبالله التوفيق ـ:

إن المتأمل في إضافة الدار إلى الإسلام أو الكفر أو الحرب سيجد أنها تنطوي على صفة ذاتية لا يتصور زوالها إلا بانتفاء الدار نفسها، أو صفة عارضة يتصور زوالها مع بقاء الدار. فصفة الإسلام لا يتصور زوالها عن دولة قد صبغت الديانةُ الإسلاميةُ كيانَها السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، فكل دولة انتفت عنها الصبغة الإسلامية لا يمكن وصفها إلا بأنها: «دولة غير إسلامية»؛ ولا يمكن أن توصف بغير هذه الصفة. وهذا بخلاف صفة: «الحرب» فيمكن تصور زوالها مع بقاء صفة الكفر فيها. وكذلك الحال بالنسبة لغير المسلمين؛ فإنَّهم قد ينظرون إلى: «دار الإسلام» بأنها دار إسلامٍ وحربٍ ضدَّهم، وقد ينظرون إليها بأنها دار إسلام وعهد وسلام معهم.

إنَّ الفقهاء المتقدمين لم يمكنهم تصوُّر انتفاء صفة الحرب عن أي دولة غير إسلامية، ذلك لأنَّ العلاقات بين الدول كانت قائمة ـ كما ذكرنا ـ على الصراع والتدافع، ولم يكن هذا خاصًّا بعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها، بل كانت جميع الدول على اختلاف أديانها وقومياتها ومواقعها الجغرافية في حال حرب وصراع مستمر، والموادعة والسلام هي الحال الطارئة. لهذا غلب عليهم استعمال مصطلح: «دار الحرب» بإطلاقٍ حتَّى وإن كان مرادهم «دار الكفر» التي بينها وبين المسلمين معاهدة صلح وسلام، لكن وقع في كلام شيخ الإسلام أَبي العبَّاس ابنِ تيمية رحمه الله (١) ما يدلُّ على صحَّة ما ذكرتُه من إمكان انتفاء صفة «الحرب» عن «دار الكفر»:


(١) شيخ الإسلام تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية النُّميري الحراني الحنبلي الدمشقي (ت: ٧٢٨/ ١٣٢٨): شيخ الإسلام في زمانه وأبرز علمائه، وصاحب الآثار الكبرى في علوم الدين، كان صالحًا مصلحًا، داعيًا إلى العودة إلى القرآن والسنة، وكان ذا باع طويل في مختلف العلوم. تربو مصنفاته على ثلاث مئة مجلد في علوم الإسلام المختلفة من أهمها: «اقتضاء الصراط المستقيم» و «الصارم المسلول على شاتم الرسول»، و «درء تعارض العقل والنقل»، و «منهاج السنة النبوية»، وله فتاوى ورسائل كثيرة طبع قسم منها في «مجموع الفتاوى» (٣٥ مجلدًا) و «الفتاوى الكبرى» (٥ مجلدات). مترجم في «الأعلام» (١/ ١٤٤).

<<  <   >  >>