التَّمييزُ بين الجانب الاعتقاديِّ والجانب العمَلِيِّ من الدِّين، وإن كان الجانبان متلازمَيْن متداخلَيْن، لا يقومُ الدِّينُ بأحدهما دونَ الآخر.
وجاءتِ الشريعةُ بهذا المعنى الخاصِّ في قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة: ٤٨]؛ فالمقصود في هذه الآية الشَّرائعُ دونَ العقائد، لأنَّ العقيدةَ واحدةٌ في كلِّ أُمَّةٍ، وعلى لسانِ كلِّ نبيٍّ ورسولٍ، وأساسُها: التوحيدُ والإِخلاصُ لله وحده، وهو الدِّينُ الواحدُ الذي لا يُقبل غيرُه، أما الأحكامُ الشَّرعيَّةُ العمليَّةُ فأصولُها واحدةٌ، لكنَّها تختلف في تفاصيلها وجزئيَّاتِها بما يناسبُ كلَّ أمَّةٍ.
ومما تقدَّم يظهر لنا أنَّ «الشريعةَ» تتضمَّن ـ سواء أطلقت بمعناها العامِّ أو بمعناها الخاصِّ ـ كلَّ ما يتعلق بالعبادات، وبالمعاملات مثل أحكام البيوع والشركة والإجارة والقَرْض والرَّهن والهبة والوكالة وغيرها، وبما يسمَّى بالأحوال الشخصيَّة مثل النِّكاح والطلاق والحضانة والوصايا والمواريث وغيرها، وبأحكام السِّلْم والحرب، وبالعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، وكذلك تشمل الأخلاق والسلوك والآداب الاجتماعية. وهذه الأحكام ـ وغيرُها كثيرٌ ـ مقرَّرةٌ في كتب التفسير والحديث والفقه والآداب الشرعية وغيرها من كتب الإسلام.
ورغم وضوح هذا كلِّه؛ فإنَّ من المؤسف أن مفهوم:«الشريعة» قد أصابه في هذا العصر كثير من التَّقْزِيم والتَّحْجِيم، فأصبحَ في أذهان كثيرٍ من النَّاس قاصرًا على أحكام:«القصاص والحدود والعقوبات» التي هي جزءٌ يسيرٌ من تلك الأحكام الشَّاملة والواسعة التي تتضمَّنُها الشريعةُ الإسلامية. وكان للحركاتِ الإسلاميَّةِ أثرٌ سيِّءٌ في ترسيخ هذا المفهوم الجزئيِّ للشَّريعة، حيث اتَّخذته شعارًا للتغيير السياسيِّ، وتجاهلتِ الجوانبَ الأُخرَى من الشريعة، وهي أكثرُ أهميَّةً، وأعظمُ أثرًا، والانحراف فيها أشدُّ وأخطرُ، خاصَّةً ما يتعلَّق بتحقيق إفراد الله تعالى بالعبادة، حيثُ ينتشر في العالم الإسلامي أسوأُ