للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا كانت صفته - صلى الله عليه وسلم - في «التوراة»: «يا أيها النبيُّ إنَّا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا، وحِرْزًا للأُميِّين، أنت عبدي ورسولي، سمَّيتُك المتوكِّلَ، ليس بفَظٍّ، ولا غليظٍ، ولا سَخَّابٍ بالأسواق، ولا يدفع السيئةَ بالسيئةِ، ولكن يعفو ويصفحُ، ولن يقبضه الله حتَّى يُقيم به الملَّة العوجاءَ، بأنْ يقولوا: «لا إله إلا الله» فيفتح بها أعينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا». (١)

وقد كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأسوةَ والقدوةَ في الصَّبر على الأذى، والدَّفع بالتي هي أحسن، وسيرته الشريفة زاخرة بالأمثلة الكثيرة، أكتفي منها بمثالٍ واحدٍ:


(١) أخرجه البخاري (٢١٢٥) و (٤٨٣٨)، من نقل الصحابيِّ الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن التوراة.
«وحِرزًا» أي: حافظًا، والمعنَى: حافظًا لدين الأميين، وهم: العرب، لأنَّ الكتابة كانت عندهم قليلة.
«سميتك المتوكل» يعني: لقناعته باليسير من الرزق، واعتماده على الله تعالى في الرزق والنصر والصبر على انتظار الفرج، والأخذ بمحاسن الأخلاق واليقين بتمام وعد الله، فتوكَّل عليه فسمِّيَ المتوكِّل.
«ليس بفظٍّ» أي: سيء الخلق.
«ولا غليظ» أي: شديد في القول.
«ولا سخَّاب» من السَّخب، بالسين لغةٌ في الصَّخب: كثير اللَّغَط والجَلَبَة.
«ولا يدفع بالسيئة السيئةَ» أي: لا يسيء إلى من أساء إليه، على سبيل المجازاة المباحة ما لم تنتهك حرمةُ الله تعالى، لكن يأخذ بالفضل.
«حتَّى يقيم به» أي: حتى ينفيَ به الشرك ويثبت التوحيد عن «الملة العوجاء» وهي ملَّة العرب، ووصفها بالعوج لما دخل فيها من عبادة الأصنام وتغييرهم ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن استقامتها، وإمالتهم بعد قوامها.
«وقلوبًا غُلفًا» الغُلفُ: كلُّ شيءٍ في غلافٍ. فالقلب الأغلف لا يعي، لعدم فهمه، كأنه حجب عن الفهم كما يحجب السكين ونحوه بالغلاف.
انظر: «فتح الباري» (٤/ ٤٣٣ و ٨/ ٧٤٤)، و «عمدة القاري» (١١/ ٢٤٤).

<<  <   >  >>