للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصَّالحة». (١)

والضَّابط الكليُّ لمسألة الموافقة في الهدي الظَّاهر وسائر ما ذكرناه: هو أن لا تؤدِّيَ تلك الموافقةُ بالمسلم إلى: «ترك مأمور»، أو: «فعل محظور»، فلا يجوز للمسلم تألُّفهم ولا مداراتهم بارتكاب ما يخالف أحكام الإسلام بوجهٍ من الوجوه، سواء في باب الاعتقاد القلبيِّ، أو في باب القول، أو في باب الفعل: إتيانًا أو تركًا.

وقد مكث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مكة ثلاثَ عشرةَ سنة بعد البعثة؛ يدعو أهلها المشركين إلى عبادة الله تعالى وحده، فلم يستجب له من أهلها إلا الأقلُّون، ومع ذلك فقد كان يخالطهم، ويحضر مجالسهم، ويعاملهم بالبيع والشراء والقرض والرَّهن والوديعة وغيرها، ويوافقهم في المأكل والملبس والمسكن؛ ولا يخالفهم إلا فيما يوجبه عليه التَّوحيد لله تعالى، والانقيادُ لشرعه سبحانه، والتعظيم لدينه وأمره ونهيه. و

كان - صلى الله عليه وسلم - قبل نزول الوحي وورود التَّشريع لا يخالفهم إلا فيما تأباه فطرتُه السَّليمة القويمة، ويرفضه عقلُه الصَّحيح، وتنفر منه نفسه الطيِّبة الزكيِّة؛ فقد حفظ الله سبحانه تعالى نبيِّه الكريم - صلى الله عليه وسلم - مِن قبائح الجاهلية وموبقاتِها وأدرانِها.

وكان المشركون ليقينهم ـ في قرارة أنفسهم ـ بصدقه - صلى الله عليه وسلم - وأمانته ونُبُل أخلاقه يودعون عنده أماناتِهم، فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فظًّا غليظًا، ولا مستكبرًا عنيدًا، بل كان - صلى الله عليه وسلم - ليِّن الجانبِ، رقيقَ القَلْبِ، كريمَ الخُلُقِ، نقيَّ الطَّبْعِ، رفيقًا رحيمًا في أموره كلِّها، وبذلك وصفه ربُّه بقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧]، وقوله عزَّ شأنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦].


(١) «اقتضاء الصراط المستقيم» ط: الفقي، (ص ١٧٧)، وط: العقل (١/ ٤٧١).

<<  <   >  >>